العهد الديلمي (334-447)
أصل بني بويه من بلاد الديلم الواقعة في الجنوب الغربي من شاطئ بحر الخزر، وكانوا على المجوسية إلى أن اتصل بهم الحسن بن علي الزيدي العلوي الملقب بالأطروش، فأسلم منهم على يده خلق كثير وتمذهبوا بالمذهب الزيدي، وبلاد الديلم وإن كانت تعد في جملة الولايات الفارسية قبل الإسلام إلا أن أهلها ليسوا من الفرس في الصميم، وإنما هم جيل لهم مميزاتهم الخاصة. وقد بسط بنو بويه سلطانهم على إيران كلها. وفي خلافة المستكفي كان يتوزع الحكم في مملكتهم ثلاثة إخوة: علي وهو أكبرهم، والحسن وهو أوسطهم، وأحمد وهو أصغرهم.
وفي 11 من جمادى الأولى سنة 334 وصل أحمد بن بويه مدينة السلام إجابة لدعوة تلقاها من قواد بغداد، ومثل بين يدي الخليفة فاحتفى به، فبايعه أحمد وحلف له يمين الطاعة، وحلف الخليفة لأحمد يمين الإقرار له على السلطنة.
فأنعم الخليفة عليه بلقب «معز الدولة»، وعلى أخيه الكبير بلقب «عماد الدولة»، وعلى الأوسط بلقب «ركن الدولة»، ولم يثبت معز الدولة على وفائه بيمينه للمستكفي سوى أربعين يوما، فخلعه وبايع المطيع لله. وبمعز الدولة هذا ابتدأ العهد البويهي، فتعاقب على الحكم في بغداد من ملوكهم أحد عشر ملكا، آخرهم خسرو فيروز الذي لقب نفسه بالملك الرحيم.
وفي عهد بني بويه وصل العلم والأدب في بغداد إلى القمة العليا، فنشأ أكابر المفسرين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين والمؤرخين والكتاب والشعراء وأساطين علوم العربية والحذاق في المعارف الكونية. وبالجملة، فإن المعارف التي تم غرسها في عهد المنصور والرشيد والمأمون أزهرت في هذا العصر وآتت أكلها يانعا شهيا، وكان لبعض ملوكهم آثار في العمران وحسنات على أهل الفضل وأقمار الأدب؛ ففي عهدهم تولى الوزارة في إيران أبو الفضل بن العميد وابنه أبو الفتح والصاحب بن عباد، وفي بغداد أبو محمد المهلبي الذي أفاض على رجالات العلم والأدب سيبا من حسناته وفيضا من نعمه، على أنه لا ينكر أن القوم أيقظوا الفتن المذهبية ونفخوا في نارها، حتى أخذ بعض المسلمين يستحل دم بعض.
وفي زمن حكمهم امتحنت بغداد بشتى المحن التي منها: طغيان المياه عليها، واختلال الأمن داخلها وخارجها، وتفاقم أمر المجاعات فيها، واستيلاء رجال الجند على الضياع والقرى، والتضييق على الفلاحين مما لا عهد لهم به في صدر الخلافة العباسية، وفي آخر عهدهم أمر الخليفة القضاة والفقهاء بترك الفتيا؛ محتجا بذلك على جرائم اقترفها أجناد الديلم وعجز ملكهم عن معاقبتهم بسببها.
الفصل الرابع
العهد السلجوقي (447-552)
السلاجقة ينتسبون إلى جدهم سلجوق، وهو ينتمي إلى قبيلة كريمة كانت تقطن تركستان، وسلجوق هو أول من آمن من رجالها. وأول من استولى على بغداد من هذه الأسرة طغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق على أثر اختلال حكم البويهيين فيها؛ وذلك أن مملوكا تركيا من مماليك الديلم يقال له أبو الحارث أرسلان البساسيري عاث في العراق فسادا وكاتب الفاطميين في مصر؛ فالتجأ الخليفة القائم إلى مهارش بن المجلي أمير العرب، فحمله إلى عانة، فبقي فيها حولا كاملا.
وفي ذلك العهد دخل طغرلبك بغداد، وقتل البساسيري، وأعاد القائم إليها، ولم يتخذ ملوكهم بغداد مقرا لهم، وكانوا يكتفون بإرسال من ينوب عنهم.
अज्ञात पृष्ठ