وقد عانت بغداد في عهدهم هذا حصارين؛ الأول: سنة 530 في عهد الخليفة الراشد بأمر الله، دام نحو شهرين، وانتهى بفرار الخليفة إلى الموصل، وكان القائم بهذا الحصار السلطان مسعود السلجوقي. والثاني: في خلافة المقتفي سنة 551، والقائم به محمد بن أخي السلطان مسعود، ودام أكثر من ثلاثة أشهر، وفي هذا الحصار أبلى البغداديون بلاء حسنا، فردوا السلطان ومن معه بغيظهم لم ينالوا خيرا.
ومن أعظم ملوك السلاجقة الذين زاروا بغداد ملكشاه بن ألب أرسلان، زارها مع وزيره الأعظم الحسن بن علي الملقب بنظام الملك، الذي حاول أن يصل البيت العباسي بالبيت السلجوقي بأواصر المصاهرة، فعقد للخليفة المقتدي على ابنة السلطان ملكشاه.
ولهذه المصاهرة مثل سابق، فإن السلطان طغرلبك زوج ابنته للخليفة القائم، وحاول أن يتزوج هو نفسه من ابنة الخليفة، فكان له ما أراد بعد ممانعات ومراجعات كادت تؤدي إلى مخاصمات لا يعلم مدى أثرها إلا الله.
الفصل الخامس
الطور الأخير (552-656)
لم يبق في يد الخلفاء من تلك المملكة المترامية الأطراف في هذا العهد إلا بغداد وأعمالها وقليل مما يتصل بها.
وقد طالت مدة خلافة بعض الخلفاء حتى ضربت الرقم القياسي على حد تعبير كتاب العصر؛ فقد كانت مدة خلافة الناصر لدين الله 46 سنة وعشرة أشهر و28 يوما، وهي أطول مدة حكم فيها خليفة عباسي، وما ذلك إلا لخلو بغداد من الأجناد الأتراك والديلم وغيرهم من أهل الشغب ورواد الفتن، ثم لم يبق في يد الخلفاء ما يحسدون عليه.
وكان الخلفاء في هذا العهد ميالين إلى نشر العدل والترفيه على الرعية برفع كثير من المكوس والضرائب، كما كانوا ميالين إلى إقامة دور العلم والمساجد والملاجئ الخيرية.
وفي هذا العهد استفحل أمر المغول في ديار فارس وغيرها، كما اشتدت قبل ذلك وطأة الصليبيين في ديار مصر والشام، فأصبحت ديار الإسلام بين قوتين هائلتين، كأنهما كانتا على ميعاد.
وكانت خاتمة هذا العهد الكارثة التي أودت بالخلافة وبالمدنية والحضارة على ما سيأتي في الباب التالي.
अज्ञात पृष्ठ