قال ابن حمزة يا بني هزلت مجترئًا فمه
فانطلق الخادم إلى الرشيد فكان ما ظنه الرشيد، ففعل الغلام ما أمره به، فأطرق المأمون قليلا؛ ثم قال، لولا أنك مأمور لم تنج من يدي.
فرجع الخادم إلى الرشيد فأخبره فقال: نجوت. ثم دعا على بن حمزة الكسائي وقال له: من اين علم عبد الله أن الخادم مأمور؟ فقال الكسائي: علمه من قوله: هزلت مجترئًا فمه، إذ كان الخادم لا يقدر على مخاطبته بذلك إلا عن أمر.
وذكر أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري في كتاب الوزراء
قال: ذكر أبو الفضل بن عبد الحميد في كتابه، أن الأحول المحرر، شخص مع محمد بن يزداد عند شخوص المأمون إلى دمشق، وأنه شكا يومًا إلى أبي هارون خليفة محمد بن يزداد الوحدة والغربة وقلة ذات اليد، وسأله في أن يسأل له ابن يزداد أن يكلم المأمون في أمره فيبره بشيء. ففعل أبو هارون ذلك، ورأى محمد بن يزداد من المأمون طيب نفس، فكلمه له وعطفه عليه، فقال له المأمون: أنا أعرف الناس به، إنه لا يزال بخير ما لم يكن معه شيء، فإذا رزق فوق القوت بذرة أفسده ذلك، ولكن قد أمرنا له - لشفاعتك - بأربعة آلاف درهم. فدعا ابن يزداد بالأحول؛ فعرفه بما جرى ونهاه عن الفساد، وأمر له بالمال؛ فلما قبضه ابتاع غلامًا بمائة دينار، واشترى سيفًا ومتاعًا، أسرف فيما معه، حتى لم يبق معه شيء. فلما رأى الغلام ذلك أخذ كل ما كان في بيته وهرب، فبقي عريانًا بأسوأ حال، فجاء إلى أبي هارون خليفة محمد بن يزداد فأخبره، فأخذ أبو هارون نصف طومار فكتب في آخره:
فر الغلام فطار قلب الأحول ... وأنا الشفيع وأنت خير مؤمل
ثم ختمه وقال له: امض إلى محمد بن يزداد، فمضى وأوصله إليه. فلما رآه محمد قال له: ما في كتابك؟ قال: لا أدري، قال: وهذا من حمقك، تحمل كتابًا لا تدري ما فيه! ثم فضه فلم ير شيئًا، فجعل ينشره وهو يضحك حتى انتهى إلى آخره، فوقف على البيت، فكتب تحته:
لولا تعبث أحولٍ بغلامه ... كان الغلام ربيطةً في المنزل
ثم ختمه، وناوله إياه، وأمره أن يرده إلى خليفته. فقال: الله الله في، جعلني الله فداك! ارحمني من الحالة التي قد صرت إليها. فرق له ووعده أن يكلم المأمون، فكلمه وشرح له الحال، ووصف له ضعف عقل الأحول ووهى عقدته، فأمر
1 / 27