ثم قال: أهذا الحمل قوية؟
فاحمر وجهها عندما أجابت: أليس مثله شيطانا؟
فقال كأنه يعاتبها: أراه حملا ظريفا، ويا ليتك سميته باسمي.
فنظرت نحوه في دهشة وقالت كالمعتذرة: ليس قدر المقام يا حاج فؤاد.
وأحس عند ذلك بالجدار القائم بينهما، فلم يكن هو وحده الذي يعرف البون الذي يفصل بينهما، واستعجل الذهاب فحياها وعاد يسير نحو الدار ونفسه تنازعه أن ينظر إلى الوراء نحوها، فلما بلغ البيت استقبله أبوه أول شيء فتبسم له قائلا: كيف وجدت حقل تعويضة اليوم؟
وارتبك للمرة الأولى في حديث أبيه وقنع من الرد بابتسامة وتمتم بألفاظ لم يكد هو يعرف معناها.
وأحس كأن حملا ثقيلا أزيح عن كاهله عندما تركه أبوه وخرج من الدار نحو البغلة التي كانت عند الباب ليركبها في جولته التي تعود أن يجولها كل يوم حول المزرعة.
ودخل فؤاد إلى الدار فقضى بها سائر يومه، فلما أتى الليل قضى صدرا منه يطل على الفضاء من نافذة غرفته والظلام الدامس يلف الأرض وتلمع فيه النجوم وضاءة، وسأل نفسه: ما ذلك الذي تغير فيه؟ بل ما ذلك الذي تغير في كل ما حوله؟
ومع ذلك فإنه مضى فيما كان فيه يرى تعويضة في ليالي القمر في حلقة السمر تخطر في رشاقتها، ويراها في الحقل تزينه بطلعتها، وتدخل إلى الدار أحيانا فكأن شعاعا من النور ينفذ فيها.
ولما اقترب الصيف من نهايته لمح فؤاد في قوية تغيرا، إذ كان كلما رآه ذاهبا إلى غيط تعويضة ينفلت إلى خيمته داخلا، وإذا رآه في ليلة من ليالي السمر يحدثها أو يضاحكها يطرق بعد مرحه ويلوذ بالصمت حتى تمضي الليلة وينفض السامر وهو صامت، وقد رآهما مرة يقبلان معا من الحقل يسيران بين النخيل، وكان هو آتيا من القرية تجاههما، فما كاد يراهما حتى عاد أدراجه فاندس بين البيوت فغاب فيها، وكان فؤاد مع هذا يرى أن الفتى لا يلبث أن ينبسط بعد انقباض ويعود إلى ما اعتاد من مرح وطلاقة، فيراجع عنه نفسه ويعنف في لومها ويحسب أنه كان واهما، وهم أن يسأل الفتى مرارا عما بدا له منه، ولكن كبرياءه حالت دون هذا، وأخذ يتلمس له الأعذار في بدواته، فقد كان مثله جديرا بأن تكون له بدوات.
अज्ञात पृष्ठ