ثم شاء الله سبحانه وتعالى أن يسخر من هذه الحشرة المتعالمة فأمر وقال للقارورة كوني فكانت.
وكانت التجربة تجرى على قارورتين فأخرجت إحداهما ولدا ذكرا وأخرجت الأخرى الأنثى.
وفرح صاحب الفكرة وأذاع في العالم نجاح تجربته وارتقى إلى سماء المجد في لحظة واحدة، لحظة أن بكى الطفل وبكت الطفلة.
وتسلق العلماء الصغار حبال المجد التي علقها كبيرهم، واطمأنوا نفسا وقروا عينا، لقد نجحوا في أكبر تجربة عرفها التاريخ وأرادوا أن ينسوا لحظهم أنهم لم ينشئوا إنشاء وإنما هيئوا جوا، وتركهم ربك في غيهم يمرحون.
ولكن شيئا واحدا كان يعكر على العالم الظافر فرحته المجنونة، ذلك أنه كان حين يضع سماعته على موضع القلب من الطفل أو الطفلة لا يسمع تلك الدقات المنتظمة التي يجب أن يسمعها، وإنما كان يسمع هديرا كهدير البحر الصاخب، ويحاول أن يجد لذلك من العلم تعليلا ولكن هيهات! فسكت عن الأمر وحبسه حتى عن مساعديه لينال المجد كاملا، والتهنئات خالصة، حتى إذا خفت صوت المجد وهدأ صخب الناس، وفرغ إلى معمله مرة أخرى بعد ضجيج الصحافة والإذاعة والتليفزيون والسينما همس إلى مساعده الأول بتلك الظاهرة التي تطالعه من هذين المخلوقين، وحمل المساعد هذا السر في إحساس بالخطورة وشعور بالرهبة واقترح على أستاذه أن يضعا الطفلين تحت الأشعة.
وفي تكتم شديد أعدت أجهزة الأشعة ووضع قلبا الطفلين موضع البحث، ولكن ما هذا؟ نظر العالمان كل إلى الآخر نظرة ملؤها الدهشة والذهول ثم نظرا مرة أخرى إلى تلك الصورة التي ظهرت لهما في الأشعة، لكم سخر الإله منهما، إن الطفلين بغير قلب، لقد شاء الله أن تقوم الشرايين مباشرة بدون القلب، ومحا القلب من أولاد القوارير، إن حب الأمومة والرحمة التي يفيض بهما قلب الأم هي التي تضع القلب في الطفل في رحم الأم، أما الزجاج البارد الأخرس فهيهات أن يهب القلب! لقد استطاع العالم أن يجعل جوه مثل جو الرحم، ولكنه لم يستطع أن يجعل فيه رحمة الأمومة.
كتم العالمان الخبر عن الناس فقاما على الطفلين يهيئان لهما الغذاء الأمثل حتى درج الطفلان وتعلما الكلام وفهماه، ثم ذهبا إلى المدرسة وهناك سمعا إخوانهما يتكلمون عن أمهاتهم فتعجبوا! ما معنى هذه الكلمة؟ ما الذي تهدف إليه؟ سألا العالمين في المنزل فشرحا لهما الأمر فتعلماه، درساه كدروس المدرسة في الجغرافيا والتاريخ ولكنهما لم يحسا به.
وحين علم إخوانهما أن لا أم لهما، أخذهم العجب، بل إن الأساتذة أنفسهم قد عجبوا من أمرهما، فهم قد سمعوا أن شخصا يولد فلا يعرف أباه، وأمه! وسمع الطفلان فيما سمعا أن شيئا في الحياة اسمه الرحمة، وبآخر اسمه الحب، وآخر اسمه الحنان، وآخر اسمه الفرح، وآخر اسمه الحزن، وآخر اسمه السعادة، وآخر اسمه الشقاء، سمعا هذا جميعه وألحت هذه الألفاظ على أسماعهما، فإذا سألا قائلها عن معناها حار كيف يصفها، ثم لا يجد مخرجا من حيرته إلا أن يقول هذه الأشياء لا يعرفها الناس في الألفاظ وإنما هي إحساسات تضطرب بها النفس، إحساسات؟! ما معنى هذه الكلمة أيضا؟! وهكذا لا يجد الطفلان أحدا يسألانه إلا العالمين بالمنزل؛ فيحاول العالمان أن يترجما لهما ويحاولان أن يضعا التعاريف مثل تلك التي يعرفون بها النظريات العلمية ولكن هيهات أن يفهم الطفلان، ولا يستطيع العالمان الكبيران أن يفهماهما، ولا يجدان أخيرا شيئا يقولانه إلا أنه إحساسات وتزداد حيرة الطفلين ولكن قليلا ما تمكث هذه الحيرة.
إلا أن اسما معينا كان يسمعانه كثيرا فلا يفهمانه مثل كل ما لا يفهمانه، الله! إنهما يسألان العالمين عنه فيقولان الله الذي خلق كل شيء، وخلقنا. - وخلقكما. - فلماذا يحمده من تصيبه سيارة في الطريق ولماذا يحمده من ينال مالا كثيرا.
هو نفسه الله يحمدونه عندما يقع لهم ما يسمونه حزنا، ويحمدونه عندما يتم لهم ما يسمونه فرحا. - لأن الناس يؤمنون به. - يؤمنون! كيف يؤمنون؟! - يؤمنون به أن يهبهم الصبر عند المصيبة، ثم هم يشكرونه عند الفرح.
अज्ञात पृष्ठ