101

इंसान कहाँ है

أين الإنسان

शैलियों

لكن من وجه آخر أؤمن بفضل الإنسان على الحيوان، وأعلم أن العالم كله ذو نظام، ولم أجد سدا لخلله، ولا رافعا لشأنه سوى العقل الذي به يكمل ما ينقصه بفطرته، وينظم حكوماته، وأخذت أبحث في هذا الإنسان، هل هو منظم الغرائز كهذا العالم؟ هل ملكاته وقواه الكامنة فيه لو استخرجت ينتظم عقدها ويتم بها أمره؟

نظرت أولا في عدد الذكور والإناث، فألفيتها منظمة في الإنسان كالحيوان والنبات، ثم تأملت الصفات فألفيت الأذكياء وأصحاب الأصوات الجميلة مثلا أقل من غيرهم، وتفرست في التلاميذ الذين أعلمهم، فرأيتهم يختلفون في أميالهم، وكما أن لونهم واحد وهو الأبيض غالبا أو غيره لم يشبه أحدهم الآخر فيه، فهكذا العقل واحد ولم يتشابهوا فيه، فالألوان والقوى البدنية والعقلية مختلفات بالأسباب، وقام بنفسي أن الأمم يعوزها التعليم. ولم أر تعليم الناس قائما بحاجاتهم؛ لأنه سائر على نهج حائد عن الصراط السوي، ولم أر في المدنية الحاضرة ما أبتغيه، فإن المتوحشين والمتمدينين لا يزالون يسلكون سبل النمور والصقور والسباع.

ولقد قرأنا ما سطره المستر إدوارد كاربنتر عن أحوال المتوحشين القاطنين حول بحيرة نياسا بالسودان إذ عاشرهم من سنة 1876 إلى سنة 1878. قال: إنهم أقوى أجساما وأصح أبدانا من المتمدينين، ولكنهم أكثر منهم فتكا بأعدائهم.

وقال: إن المتوحشين الإفريقيين يفوقوننا كثيرا لدرجة لا تجيز المقارنة بيننا وبينهم؛ لأن أحدنا يرى نفسه فيما بينهم طفلا صغيرا. ا.ه.

فالمدنية أضعفت الأجسام، كما خرقت سياج الأدب، وعكست وضع الإنسانية. لقد أخبرني ضابط قطن السودان في هذه الأيام أن إحدى القبائل يعيش أبناؤها، وبناتها في الصبى والبلوغ، والكهولة والشيب، وهم عري مجردون، ولا تسمع باسم الخنا في حياتهم، ولا تخطر الخيانة ببال أحدهم، وإنهم جميعا أعفاء صادقون، ولكن المدنية اتخذت اللباس شرك الدعارة، وعكست القضية، وعدت المكر والكذب كياسة، والظلم سياسة.

ولقد قرأت في التاريخ، ما تدهش له العقول، فتراهم يقولون: إن قيصر الروم غزا الأمم ودوخ الممالك شرقا وغربا، فلما أن رجع إلى قومه، وقر بوطنه، اتخذوه معبودهم، وأحبوه حبا جما، وهكذا أكثر الأمم، إلا من رحم ربك، فإنهم لا يحبون إلا الظالمين، كما يفرح الطفل بسرقة أبيه، وخيانة أخيه؛ لأنه يأكل مما يسرقان، ويلقف ما يأتفكان.

فعجبت لهذا الإنسان، كيف تنزل بشهوته، وارتقى بعقله، إنه جمع بين الضدين وعاش بالنقيضين، ثم رجعت إلى نظام ذكوره وإناثه، وفكرت في أمره، وكنت إذ ذاك قد شرعت في عمل كتاب عام في الفلسفة، وكتبت بعض المقالات، فأبت نفسي إلا السير في تحقيق هذه الفكرة والجنوح لهذا المبدأ، فكاشفت صديقا كنت به آنس، وقلت: أيها الأخ، يخيل لي أن الدول قاصرة السعي، قصيرة الخطى، فلو أنها كشفت عن غرائزها، وأبرزت للوجود عواطفها، وسعت في إنماء عقولها، لصلح الوجود، وزال الخوف الموجود، فتعادل الذكران والإناث دليل على تعادل غرائز الإنسان، فقل شعراؤهم، وكثر عمالهم، وندر حكماؤهم، هذه جبلاتهم أفلا يتذكرون.

فقال: هذا قول جميل هلا وضعته في مقال ونشرته لأمم المشارق والمغارب، فاستكبرت القول، ولم أشأ أن أقدم بلا روية، ولا أعزم بلا تدبير، فإن ذلك فعل الجاهلين، وحررت مقالة وألقيتها في الخزانة. فلما كانت أواسط السنة العاشرة، بعد التسعمائة والألف في شهر إبريل، رجعت لتحرير المقالات في الفلسفة والطبيعيات، فلما أن عثرت مصادفة على مقالة للعلامة «كنت» الألماني وجدته يقول: «الإنسان جهول، لم ينظم حكوماته، ولم يقم بتربية أبنائه.» فعجبت كيف وافق رأيي، وناسب مشربي، فعاودني الفكر في الموضوع، ولم أشأ أن أحيد عن فكرتي، ولا أن أزيد حيرتي؛ لأني خفت الحسرات من الفوات.

فلعمرك لقد طفقت أكتب، والقلب متقد الباطن، مملوء بالحمية، مبتهج بالعمل، ولولا الأدب، وألا يقبل عذري لقلت: وما فعلته عن أمري.

لقيني إذ ذاك من له بي علاقة العلم. فقال: لمن هذا تصنع؟ وماذا ينفع؟ إن بلادنا عنه لاهية، إن لها في أموالها وأحوالها لشغلا شاغلا. فقلت: إني أشعر أن العالم الإنساني له خطرات إلى العلاء وخطوات إلى الأمام.

अज्ञात पृष्ठ