أذنت للحاضرين بالانصراف إلا الموظفين، فقد جمعتهم في غرفة أخرى وأغلقت من دوننا الباب.
قلت: «أيها الرفقاء، لنشمر السواعد للعمل، لا يفزعنكم ما أنا قائله، فأنا أعرف الأوامر كما تعرفونها، بل ربما كنت بها أتم منكم علما، ومع ذلك فإني سأصدر الأوامر الفلاحين أن يجمعوا الشوفان ليطعموا الجياد، وكذلك سآذن لهم بجمع الشعير من حفاف الحقول ومن حيث تم للشعير النضج، ابدءوا في درسه من فوركم، وأعدوا منه ما يكفي أن يوزع على الناس بحيث يصيب الواحد منهم في كل يوم كيلوجرام من شعير مجروش، وامضوا في زيادة هذا المقدار رويدا رويدا، بحيث إذا ما بدأ الحصاد كان للناس من القوة ما يعينهم على العمل، وأمدوا «إيفان بتروفتش» بقدر كاف من هذه الغلة الجديدة ليعنى بالأطفال، وإني لآذن لكم أن تذبحوا من خنازير المزرعة الجماعية ما يكفي أن يطعم الأطفال من لحم ودهن جنبا إلى جنب مع مجروش الشعير.»
وبينا أنا أتحدث كانت تبدو على وجوه هؤلاء الموظفين التابعين للإقليم علامات الريبة التي جعلت تتحول تحولا سريعا إلى فزع، فكأنما لغة عيونهم كانت تقول بأفصح مما تستطيعه الألفاظ: هل جن جنون هذا الرجل؟ هل يريد بنا وبنفسه الهلاك رميا بالرصاص.
وبدأ «كوبزار» الحديث فقال: «لكن أيها الرفيق كرافتشنكو ...» - «ليس في الأمر «لكن» بل افعل ما آمرك به والتبعة واقعة علي وحدي.»
ونهض «بلوسوف» مضطربا وقال: «إن واجبي يحتم علي أن أبلغ القسم السياسي.»
فقال مدير محطة الجرارات الآلية مؤيدا لموقفي: «لقد أخطأت أيها الرفيق «بلوسوف» إذا أمر الممثل الرسمي للجنة الإقليمية أمرا، إذن فهو يرمي إلى هدف يريده، وما علينا جميعا إلا الطاعة.»
ثم قلت أنا: «لست أمنعك من تبليغ من شئت، ذلك من حقك، لكنك إذا لم تنفذ ما آمرك به، كنت مسئولا عن هذا العصيان، أما أنت أيها الرفيق «كوبزار» فإنك لتقامر بمركزك في الحزب إذا لم تعمل على تنفيذ خطتي بغير إبطاء، هذا كل ما أريده منكم أيها الرفقاء.»
وبينا نحن خارجون واحدا في إثر واحد ، أحسست يدا تضغط على يدي ضغطة الشاكر وكانت تلك يد «شاداي»، ثم لحق بي «دمشنكو» وهمس في صوت أجش قائلا: «سأكون في عونك وإن كلفتني معونتك حياتي، أما وقد بدأت المغامرة، فما رأيك في مواصلة السير في طريقك بأن تفحص مخزن التعاون، تعال معي أقدمك إلى مديره ماكارنكو.»
كان المخزن قذرا مهملا، فلو استثنيت تماثيل نصفية لستالين وأكداس من صور مطبوعة لغيره من الزعماء، وجدت الرفوف خالية، وأما «ماكارنكو» فقد كان رجلا ضئيلا ذليلا ماكرا مسترضيا، فأنبأته في إيجاز عما قررته بشأن إطعام الأطفال في القرى، وطلبت منه المعونة. - «أنا أعلم أنك تخفي قدرا من مواد الغذاء، ولا مندوحة لك الآن عن إخراجها وتسليمها، حتى إذا ما تم لنا الحصاد سنرد لك الدين غلالا، ولن يصيب أحدا شيء من الأذى.»
صعق الرجل، وألفى نفسه موزعا بين أمرين: فهذه هي أوامر المركز الرئيسي من ناحية يقابلها خوفه أن يسيء إلي باعتباري ممثل الحزب. - «نعم أيها الرفيق، إن لدي شيئا من ملح وسكر نباتي، وحب مجروش وسمك مدخون وقليلا من صابون، فإذا تعهد رجال المزرعة تعهدا مكتوبا بأن يردوا هذه الأشياء غلة ودريسا وافقت على تسليمها، لكن قبل تسليمها لا بد أن أستأذن مكتب الإقليم وسأنبئك بالقرار غدا، وكذلك أحب أن أقدم لك شيئا من النصح، لماذا لا تطرق محطة الزبد؟» - «ماذا تعني؟»
अज्ञात पृष्ठ