فنظرت إليه خاشعة، وقالت بصوت مرتجف: رحماك! ليست حياتي أعز علي من فراق زوجي، بربك أعفني، ماذا تريد غير ذلك؟ سل ما تشاء فدية. - لا أريد غير هذا. - لا أكتب. - بل تكتبين. وأوهمها أنه هم أن يطلق الرصاص عليها. - بربك، أمهلني. - لا أمهلك، عنوني الظرف حالا.
فتناولت القلم وقد وضع الظرف أمامها وكتبت:
مصر
دولتلو الأمير نعيم بك صدقي.
وفي الحال تناول الظرف ونشفه ووضع الرسالة فيه ووضعه في جيبه، وقال: إذا لم يكن ما كتبته مثل ما قرأت تماما أعود إليك عودة الوحش الضاري.
فجثت جوزفين عند قدميه وبسطت ذراعيها لديه قائلة: ارحمني يا سيدي، لماذا أعامل هذه المعاملة؟ - لا تستحقين إلا كل خير، ولكن التقادير قضت بذلك، وما أنا إلا آلة في يد التقادير. - لماذا أبعد عنه؟ - لا أدري شيئا من أمرك، فعبثا تضرعين إلي. - أتريد أن تسمع، فأخبرك؟ - لا تستفيدين مني شيئا. - ألا ترى أني مظلومة؟ - لا ريب عندي أنك مظلومة. - فلماذا لا ترحمني إذن؟! - ليس في وسعي أن أرحمك، لقد انتهت مأموريتي. - ماذا يكون حظي بعد الآن؟ - لا أدري.
فصمتت جوزفين هنيهة والحزن يمزق أحشاءها، ثم استرسلت بالبكاء والنحيب، وعند ذلك فتح الباب ذلك الشاب لكي يخرج، فتشبثت به قائلة: بربك دعني أخرج معك. - مسكينة! ألا تدرين أنك سجينة هنا؟! - إلى متى؟ - لا أدري. - ارحمني، ارحمني، ماذا تريد مكافأة؟ - مسكينة، لقد أجنك الحزن! فعودي إلى مرقدك، إني أرثي لك ولكني لا أقدر أن أخلصك.
ثم دفعها إلى وسط الغرفة، وخرج وأقفل الباب وأوصده في الحال، فبقيت جوزفين في ذلك السجن تنحب وحدها بملء الحزن والغم وفي نهاية اليأس.
لم تفتكر جوزفين في ماذا يكون من شقائها قط، وكل ما كان يجول في ضميرها هو ماذا يظنه الأمير نعيم بشأنها، وهل يصدق أنها هجرته إلى سواه، وإذا صدق فماذا تكون حاله وماذا يفعل، وتمنت لو يتضاعف شقاؤها ويعتقد الأمير نعيم أنها لم تزل ثبوتا على حبها وعهدها، بل كانت تستلذ العذاب لأجله إذا كان يعلم به.
ثم كانت تفكر في يوسف وما تم به، فلم تقلق عليه شديد القلق؛ لأنها خمنت أنه يرد إلى القصر، وربما يعلم الأمير بواسطته شيئا عنها، أو يهتدي إلى مدام ببيني التي خانتها.
अज्ञात पृष्ठ