أصل الحكاية
سارت في ظل أمها، وكان هو يلعب في الطريق. أسعد ما يسعد أمها ضفيرتها الفواحة بشذا القرنفل. أما هو فكان يلعب الحجلة. توقف قليلا ريثما تمر الأم وابنتها الصغيرة. نظرت إليه نظرة غامضة، فامتلأ بالخيلاء، وانطلق يعدو ليشهد الجميع على قوته وسرعته.
ودعت الأم بالخير لكل مخلوق وهمست: أخاف عليها من النظرة، وأخاف عليه من الجري. فاشملهما بالرعاية يا رب.
وكان ثمة رجل جالس في ركن ممن يقرءون الخواطر، فقال لها وكأنما لا يعنيها بالذات: فلتنظر إليه ما طاب لها النظر، وليجر هو حتى تخور قواه فيخمد.
مأوى النعمة
ما أجمل العصفور في طيرانه وشدوه. مرة في سكرة من النشوة هتفت: يا ليتني خلقت عصفورا. وإذا بي أنقلب عصفورا يحلق ويشدو، ويثب من غصن إلى غصن. ومن خبرتي السابقة حذرت القطط والزواحف، وعشقت شعاع الشمس. منذ قديم وأنا أغبط العصافير على تحليقها ورؤيتها لجمال حبيبتي الذي لا يبلغه الهائمون فوق الأرض. أيقنت مع الجهد الضائع أنه لا سبيل إلى الفوز إلا بالطيران واستراق النظر من فوق هامات الشجر. وجعلت أخطف النظرات المحترقة بالأشواق وهي تتهادى في أعماق البيت. وارتويت برحيق الهناء حتى ثملت. ويوما رأيت فوق سور السطح طبقا مملوءا بالقرطم؛ فتحلب ريقي، ونسيت الحذر وطرت نحو الطبق، وحططت عليه، ورحت ألتقم بمنقاري الحب بنهم وسرور. وإذا بيد تقبض علي بحنان وصوت عذب يقول: أخيرا وقعت ...
وأودعتني القفص، وقد بعث مسها في كياني سكرة لا تجيء إلا من خمر الفراديس.
وكلما فاض كأس حظي بالسعادة، أقبلت بحسنها الدري لترنو إلي وتقدم لي الماء والغذاء.
وها أنا يغمرني جنون السرور والفرح.
وفي أوقات الفراغ أتطلع إلى جماعات العصافير فوق الشجرة سعيدة بين الشدو والطيران، ولكن لا شدوها ولا طيرانها بشيء يذكر إلى جانب قرب الحبيب.
अज्ञात पृष्ठ