فكل حس إنما هو لمحسوس موضوع فى عضو خاص، ويقضى على فصول ذلك الموضوع: كقولك البصر يفصل بين الأسود والأبيض، والذوق يفصل بين الحلو والمر. وعلى هذا النحو يجرى القول فى سائر الحواس. ولكنا إذ كنا نقضى على الأبيض والحلو وعلى كل واحد من المحسوسة، فبماذا ندرك فصلها، إلا بالحس إذ كانت محسوسة؟ وهذا دليل أنه ليس فى جزء اللحم غاية الحس، وإلا كان يجب بالاضطرار أن يقضى على كل شىء يماسه. ولا يمكن القاضى، فى حد القضاء، أن يقضى على أشياء متفرقة فيقول إن هذا الحلوغير الأبيض، ولكن ينبغى أن يكون الأمران جميعا واضحين له. وكذلك لو أحسست أنا بشىء وأحسست أنت بغيره، لكان يخفى علينا أن هذا غير ذلك فى المدرك منهما، والواجب أن يكون الواحد فاصلا بين الأمرين وقائلا إن الحلو غير الأبيض، وهو قائل لا محالة؛ وكما يقول، كذلك يفكر ويحس. — وقد استبان أنه لا يمكن المنفرد أن يقضى على أشياء متفرقة؛ وكذلك أيضا لا يمكن أن يكون هذا القضاء منه فى زمان متفرق، لأن الواحد يقول إن هذا خير وهذا شر، كما أن يفصل بينهما. كذلك وإذا قال بأحدها لم يقل بعرض من الزمان، وذلك أنه الآن إن هذا غير ذلك، وليس بالآن صار غيره، إلا أنه يقول بالآن من أجل أنه يلزمه ذلك الآن، فلا محالة أنهما معا غير متفرقين فى زمان غير متفرق.
पृष्ठ 67