الشيطان ، بل ان نفسه تظهر له المعصية في صورة العبادة ، وتظهر التكبر والغرور في شكل ترويج للدين . ان الاتيان بالمستحبات في الخلوات مستحب ، فلماذا ترغب النفس دائما في ان تؤديها في العلن ؟ انه يبكي من خوف الله في المحافل العامة بحرقة والم ، ولكنه في الخلوات مهما ضغط على نفسه لا تندى عينه . فما الذي حدث لكي يذهب عنه خوف الله الا بين الناس ؟ تسمع له في ليالي القدر وفي جموع الناس الحسرات والنحيب والحرقة والبكاء ، يصلي مائة ركعة ويقرا دعاء الجوشن الكبير والصغير وعدة اجزاء من القرآن المجيد في وسط المجموع ، دون ان يتلكا او يحس بالتعب .
اذا كانت اعمال الانسان لاجل رضا الله فقط او لاستحصال رحمته او خوفا من النار وشوقا الى الجنة ، فلماذا يرغب في ان يمدحه الناس على كل عمل عمله ؟ فتجد اذنه متوجهة الى السن الناس وقلبه عندهم ، لكي يسمع من يمدحه ، بقوله : ما اشد تدين والتزام هذا الانسان ؟ وما احرصه على اداء الفرائض في مواعيدها والمستحبات في اوقاتها ؟ وانه انسان مستقيم وصادق في معملاته ! اذا كان الله هو الهدف في عملك فما هذا الميل المفرط نحوالناس ؟! واذا كانت الجنة والنار هما اللتان تدفعانك الى العمل فما الذي يحكي لنا هذا الانحراف ؟! انتبه ، فان هذا الحب هو من نفس شجرة الرياء الخبيثة ، فاسع ما استعطت لاصلاح نفسك من امثال هذا الحب اذا كان ذلك ممكنا .
في هذا المقام انبه الى نقطة مهمة وهي ان لكل واحدة من هذه الصفات النفسانية ، الحسنة منها والسيئة ، درجات كثيرة جدا ، بحيث ان مرتبة من الصفات يعتبر الاتصاف بها من الحسنات والتخلي عتها من السيئات وتكون من مختصات اولياء الله او العرفاء بالله ولا يشاركهم فيها غيرهم من سائر الناس . والصفة التي تعتبر نقصا لاولياء الله ، والعرفاء بالله ، لا تعتبر نقصا لغيرهم من الناس حسب المقام الذي يتمتعون به ، بل قد يكون بمعنى من المعاني كمالا لهم وكذلك تكون حسنات فئة سيئات لفئة اخرى .
والرياء من جملة ما يدور كلامنا عليه حاليا . فالاخلاص من جميع مراتب الرياء هو من مختصات اولياء الله والآخرون ليسوا شركاء في هذه المرتبة ، واتصاف عامة الناس بدرجة من درجات الاخلاص ليس نقصا بالنسبة اليهم بحسب المقام الذي هم فيه ، ولا يضر بايمانهم واخلاصهم . فمثلا تميل نفوس عامة الناس بحسب الغريزة والفطرة الى ان تظهر خيراتها امام الناس ، وان لم يقصدوا ان يظهروها ، ولكن نفوسهم مفطورة على هذا الميل . وهذا ليس موجبا لبطلان العمل او الشرك او النفاق او الكفر ، وان كان ذلك نقص بالنسبة للاولياء وشرك ونفاق لدى الولي او العارف بالله . والتنزه عن مطلق الشرك والاخلاص في جميع مراتبه هو اول مقامات الاولياء . ولهم مقامات اخرى لا يناسب هذا المجال ذكرها .
पृष्ठ 64