الاربعون حديثا :23
المقام الاول: وفيه عدة فصول
فصل: اشارة الى المقام الاول للنفس
اعلم ان مقام النفس الاول ومنزلها الاسفل ، هو منزل الملك والظاهر وعالمهما . وفي هذا المقام تتالق الاشعة والانوار الغيبية في هذا الجسد المادي والهيكل الظاهري ، وتمنحه الحياة العرضية ، وتجهز فيه الجيوش ، فكان ميدان المعركة هو نفس هذا الجسد ، وجنوده هي قواه الظاهرية التي وجدت في الاقاليم الملكية السبعة يعني : «الاذن والعين واللسان والبطن والفرج واليد والرجل» . وجميع هذه القوى المتوزعة في تلك الاقاليم السبعة هي تحت تصرف النفس في مقام الوهم ، فالوهم سلطان جميع القوى الظاهرية والباطنية للنفس ، فاذا تحكم الوهم على تلك القوى سواء بذاته مستقلا او بتدخل الشيطان ، جعلها اي تلك القوى جنودا للشيطان ، وبذلك يجعل هذه المملكة تحت سلطان الشيطان ، وتضمحل عندها جنود الرحمن والعقل ، وتنهزم وتخرج من نشاة الملك وعالم الانسان وتهاجر عنه ، وتصبح هذه الملكة خاصة بالشيطان . واما اذا خضع الوهم لحكم العقل والشرع ، وكانت حركاته وسكناته مقيدة بالنظام والعقل والشرع ، فقد اصبحت هذه المملكة مملكة روحانية وعقلانية ، ولم يجد الشيطان وجنوده محط قدم لهم فيها .
اذا ، فجهاد النفس (وهو الجهاد الاكبر الذي يعلو على القتل في سبيل الحق تعالى) هو في هذا المقام عبارة عن انتصار الانسان على قواه الظاهرية ، وجعلها تأتمر بامر الخالق ، وتطهير المملكة من دنس وجود قوى الشيطان وجنوده .
فصل: في التفكر
اعلم ان اول شروط مجاهدة النفس والسير باتجاه الحق تعالى ، هو «التفكر» ، وقد وضعه بعض علماء الاخلاق في بدايات الدرجة الخامسة ، وهذا التصنيف صحيح ايضا في محله .
والتفكر في هذا المقام هو ان يفكر الانسان بعض الوقت في ان مولاه الذي خلقه في هذه الدنيا ، وهيا له كل اسباب الدعة والراحة ، ووهبه جسما سليما وقوى سالمة لكل واحدة منها منافع تحير الباب الجميع ، ورعاه وهيأ له كل هذه السعة واسباب النعمة والرحمة . ومن جهة اخرى ، ارسل جميع هؤلاء الانبياء ، وانزل كل هذه الكتب «الرسالات» ، وارشد ودعا الى الهدى ... فما هو واجبنا تجاه هذا المولى مالك الملوك ؟! . هل ان وجود جميع هذه النعم ، الاربعون حديثا :24
पृष्ठ 23