अराम दिमश्क और इस्राइल
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
शैलियों
وتختتم حياة داود بكارثة تحل في إسرائيل. فقد غضب الرب على داود لأنه قام بإحصاء الشعب لمعرفة عدد سكان مملكته «فجعل الرب وباء في إسرائيل من الصباح إلى الميعاد، فمات الشعب من دان إلى بئر السبع سبعون ألف رجل، وبسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها، فندم الرب عن الشر وقال للملاك المهلك الشعب: كفى، الآن رويدك. وكان ملاك الرب عند بيدر أرونة اليبوسي. فكلم داود الرب عندما رأى الملاك الضارب الشعب وقال: ها أنا أخطأت وأنا أذنبت، وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا؟» ثم اشترى داود الأرض التي وقف عندها الملاك من صاحبها أرنان اليبوسي وأقام عندها مذبحا للرب (صموئيل الثاني، 24). أما ما يلي هذه الحادثة من أخبار شيخوخة داود وتنازع أولاده على العرش؛ فيرد في سفر الملوك الأول، الذي يفصل في سيرة الملك سليمان التي سوف ننتقل إليها بعد قليل.
النقد النصي لسفر صموئيل الثاني
لم يحقق المحرر التوراتي في سفر صموئيل الثاني أية نقلة نوعية في أسلوبه، من شأنها الإيحاء بانتقاله من مرحلة التجميع التراثي غير المدقق إلى مرحلة التقصي التاريخي. فهذا السفر يمتح من الذخيرة القصصية الشعبية والبطولية نفسها التي متح منها سفر القضاة. ولكن بينما توزعت أحداث سفر القضاة بين شخصيات مختلفة ومتباعدة زمنيا، فإن أحداث صموئيل الثاني قد جعلت تدور حول شخصية الملك داود، في محاولة لرسم صورة لملك ملحمي أسس التقاليد الملكية في إسرائيل. من هنا، فقد يبدو سفر صموئيل لأول وهلة أكثر تسلسلا وانسجاما من سفر القضاة، وإيحاء بما يشبه التاريخ. إلا أن القراءة المدققة ما تلبث أن تظهر لنا مدى تفكك هذا السفر، واستقلالية قصصه عن بعضها، وتفرد كل منها بعقدة خاصة وسياق مغلق لا يؤدي إلى غيرها، وذلك رغم الترتيب الزمني الذي اصطنعه المحرر من أجل ربطها، وعقد الصلة فيما بينها. فحروب داود التي ذكرت باقتضاب، ولم تأخذ حيزا من السفر يعادل حيز قصة اغتصاب أمنون لأخته، يمكن أن تنسب لأية شخصية في سفر القضاة، مثل جدعون (القضاة، 7-8) أو يفتاح الجلعاوي (القضاة، 11) أو إلى يشوع، أو حتى إلى موسى الذي وصل في غزواته إلى حوران في سوريا الجنوبية. فإذا تجاوزنا حروب داود انفتح أمامنا عالم من قصص ألف ليلة وليلة؛ الملك يتمشى على السطح ويتلصص على امرأة عارية تستحم، فيقع في غرامها ويقتل زوجها الجندي ليحصل عليها. أمنون يأتي بأخته ثامار بحيلة إلى سريره ويغتصبها. أبشالوم يولم لإخوته ويقتل من بينهم أمنون. خروج الابن على أبيه من أجل الاستئثار بالعرش وما جرى بينهما من حروب. أهل مدينة آبل بيت معكة يقطعون رأس شبع بن بكري ويسلمونه للقائد يوآب. التضحية بأولاد شاول السبعة وصلبهم على الجبل قربانا للرب ... إلخ. كما أن باستطاعتنا نقل أية قصة من هذه القصص المؤلفة لسيرة داود إلى سفر القضاة أو إلى يشوع أو حتى إلى أحد الأسفار الخمسة، دون أن نشعر بغرابتها عن جوها الجديد، وهذا يدل على أننا ما زلنا في حيز الأدب، ولم ننتقل بعد مع النص التوراتي إلى حيز التاريخ.
وتعطينا بعض التفاصيل الصغيرة للقصص فكرة عن كيفية تصور محرر صموئيل الثاني لمملكة داود. فهذه المملكة لم تكن أكثر من مشيخة قبلية متواضعة، وملوكها ليسوا أكثر من أمراء محليين لم يأخذوا بعد بأسباب التمدن. فالقتلة يدخلون بيت ملك إسرائيل إشبوشت عند الظهيرة وباب الملك مفتوح على مصراعيه، ويأتون إلى صحن الدار متظاهرين بأنهم يأخذون قمحا، ثم يدخلون مخدع الملك وهو نائم نومة الظهيرة فيقطعون رأسه ويسيرون به، دون أن يعترضهم حرس أو خدم أو حشم. وبيت داود لا يختلف كثيرا عن بيت إشبوشت الذي يستطيع دخوله أي عابر سبيل، فرغم أن النص يقول بأن حيرام قد أرسل إلى داود خشب أرز ونجارين وبنائين ليصنعوا بيتا لداود، إلا أننا نجد بعد ذلك أن هذا البيت قائم بين بيوت الجنود العامة. فعندما يصعد داود ليتمشى على السطح يرى امرأة تستحم في بيتها، وهذا يعني أنه لم يكن بين سطح داود وبيت المرأة، التي كانت زوجة أوريا الجندي، إلا بضعة أمتار سمحت للملك برؤية تفاصيل جمال المرأة المستحمة.
وفي سفر صموئيل الثاني يبدأ النص التوراتي بالتمييز بين إسرائيل ويهوذا، وهو التمييز الذي سوف يستمر ويتأكد عبر الأسفار اللاحقة. فبعد أن كان المحرر يستعمل تعبير «كل إسرائيل» أو «كل الشعب» للدلالة على القبائل الاثنتي عشرة بما فيها يهوذا، فإنه يأخذ عبر سفر صموئيل الثاني بالحديث عن إسرائيل وعن يهوذا، وتبدو يهوذا مستثناة من مصطلح «كل إسرائيل» الذي يستخدم في معظم المواضع للدلالة على القبائل الواقعة إلى الشمال من أورشليم ابتداء من بنيامين. فبعد موت شاول الإسرائيلي «أتى رجال يهوذا ومسحوا داود ملكا على بيت يهوذا ... وأما أبينير رئيس جيش شاول فأخذ إشبوشت وعبر به إلى محنايم وجعله ملكا على كل إسرائيل» (صموئيل الثاني، 2). وعندما ينحاز أبينير رئيس جيش شاول بعد ذلك إلى جانب داود يأتي إلى داود ويقول: «أقوم أذهب وأجمع إلى سيدي الملك جميع إسرائيل فيقطعون معك عهدا» (صموئيل، 3: 21). ومن الواضح في هذا المقطع أن المقصود بجميع إسرائيل هو القبائل الشمالية، لأن يهوذا كانت قد بايعت داود منذ البداية. وبعد مقتل إشبوشت يأتي الإسرائيليون إلى داود فيبايعونه أيضا، وهنا نقرأ: «وجاء جميع أسباط إسرائيل إلى داود في حبرون ... وجاء جميع شيوخ إسرائيل إلى الملك إلى حبرون. فقطع الملك داود معهم عهدا ... ومسحوا داود ملكا على إسرائيل. وكان داود ابن ثلاثين سنة حين ملك ... في حبرون ملك على يهوذا سبع سنين وستة أشهر، وفي أورشليم ملك ثلاثا وثلاثين سنة على جميع إسرائيل ويهوذا» (صموئيل الثاني، 5: 4-5). وبعد موت أبشالوم «صعد كل رجال إسرائيل من وراء داود إلى وراء شبع بن بكري، أما رجال يهوذا فلازموا ملكهم» (صموئيل الثاني، 20: 2). وفي غير أمثال هذه المواضع المشار إليها أعلاه، فإن المحرر يعود إلى استخدام مصطلح «كل إسرائيل» في الإشارة إلى إسرائيل ويهوذا معا، وخصوصا في حديثه عن المعارك التي تخوضها هذه القبائل موحدة ضد عدو خارجي. من ذلك مثلا ما ورد في صموئيل الثاني (10: 10-11)، و(11: 1).
النقد التاريخي والأركيولوجي لصموئيل الثاني
يفترض المؤرخون أن شاول قد حكم بين 1030 و1009ق.م.، وداود بين 1009 و969ق.م.، وسليمان بين 969 و931ق.م.، إلا أن البينة التاريخية والأركيولوجية لم تتوفر حتى الآن على وجود هؤلاء الملوك، ولا يوجد لدينا خارج النص التوراتي مصدر يتعرض لذكرهم بشكل مباشر، أو يقدم مادة يمكن مقاطعتها مع كل ما ذكره النص التوراتي بخصوصهم.
فيما يتعلق بأخبار الملك داود في سفر صموئيل الثاني لدينا بضعة أسطر خصصها المحرر للحديث عن حروب داود، وانتزع لها حيزا ضيقا بين خضم القصص التي تتحدث عن الصراع على السلطة وغراميات البلاط الملكي والدسائس السياسية. يحارب داود أولا الفلسطينيين، ثم الموآبيين في شرقي الأردن. وأخبار مثل هذه الحروب تتخذ في النص التوراتي صيغة نمطية ومتكررة لا تسمح للباحث بتبين العناصر التاريخية فيها، إنها أشبه بالعنصر التزيني الجاهز للاستخدام في رسم أية سيرة شخصية توراتية. ولعلنا قادرون على انتزاع أي خبر من أخبار هذه الحروب من مكانه وزرعه في أي مكان آخر دون أن نحدث في الرواية خللا يذكر. بعد ذلك يتجه داود لقتال المدعو هدد عزر ملك صوبة، دون أن يعطينا النص أي مسوغ أو سبب مباشر أو غير مباشر لهذه الحرب. ويأتي الخبر هنا في صيغة غامضة ومختصرة حيث يقول: «وضرب داود هدد بن عزر بن رحوب ملك صوبة حين ذهب ليرد سلطته عند نهر الفرات. فأخذ منه داود ... إلخ. فجاء آرام دمشق لنجدة هدد عزر ملك صوبة، فضرب داود من آرام اثنين وعشرين ألف رجل. وجعل داود محافظين في آرام دمشق وصار الآراميون لداود عبيدا.» ولكن هذه المعركة لم تكن فاصلة بين الطرفين، فبعد أن طرد ملك عمون رسل داود وتهيأ لقتاله «أرسل بنو عمون واستأجروا آرام بيت رحوب وآرام صوبة عشرين ألف رجل، ومن معكة ألف رجل، ورجال طوب اثني عشر ألف رجل ... فتقدم يوآب والشعب الذين معه لمحاربة آرام فهربوا من أمامه. ولما رأى بنو عمون أنه قد هرب آرام هربوا ودخلوا المدينة. فرجع يوآب عن بني عمون وأتى إلى أورشليم.» بعد ذلك مباشرة تبدأ المعركة الثانية بين داود وهدد عزر: «ولما رأى آرام أنهم انكسروا أمام إسرائيل اجتمعوا معا. وأرسل هدد عزر فأبرز آرام الذي في عبر النهر فأتوا إلى حيلام وأمامهم شوبك رئيس جيش هدد عزر ... فاصطف آرام للقاء داود وحاربوه وهرب آرام من أمام إسرائيل.»
لقد سكب المؤرخون أطنانا من الحبر حتى الآن من أجل إعادة ترتيب هذه الأخبار المختصرة الغامضة، ووضعها في إطار تاريخ مقبول، فأخرجوا ممالك من العدم، وأسبغوا عليها الطابع التاريخي، ورسموا حدودها ووصفوا علاقاتها مع الممالك الوهمية الأخرى، استنادا إلى الرواية التوراتية وحدها. ففيما يتعلق بمملكة صوبة احتار الباحثون بشأن موقعها وحدودها، وخرجوا باستنتاجات واهية من شأنها خلق صورة مضخمة عن هذه المملكة. فالباحث هاليفي يقول: إن صوبة هي تحريف لكلمة صهوبة، التي تعني بريق الذهب أو النحاس، وبما أن سلسلة جبال لبنان الشرقية غنية بالنحاس، فإن من المرجح أن صوبة كانت تشمل الأراضي الممتدة إلى الشمال الغربي من دمشق، وذلك من البقاع غربا وحتى البادية شرقا.
2
अज्ञात पृष्ठ