يوافق بعضها بعضًا، ويعضد بعضها بعضًا، ويناسب بعضها بعضًا، ويشهد بعضها لبعض، ويقتضي بعضها بعضًا، كان الكلام متشابهًا، بخلاف الكلام المتناقض الذي يضاد بعضه بعضًا. فهذا التشابه العام لا ينافي الإحكام العام، بل هو مصدق له، فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضًا، لا ينافي بعضه بعضًا.
ش: يعني ومما يوضح أننا نجهل الكيفيات والحقائق التي استأثر الله بعلمها. ونعلم معاني ما خوطبنا به ونفسره، وأن الأسماء تكون مترادفة من جهة دلالتها على شيء واحد ومتباينة من جهة تغاير معانيها مما يوضح ذلك كله: أن الله سبحانه وصف القرآن كله بأنه محكم، كما في آية هود، ووصفه كله بأنه متشابه كما في آية الزمر.
وفي قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آيات مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ بين أن بعضه محكم وبعضه متشابه، فهذه الأوصاف كلها نعوت لشيء واحد هو كتاب الله المنزل على عبده ورسوله محمد ﷺ. ولا منافاة بين وصفه كله بالإحكام ووصفه كله بالتشابه، فإن المراد بإحكامه إتقانه وعدم تطرق النقص والاختلاف إليه، وبتشابهه كون يشبه بعضه بعضًا في الحق والصدق والإعجاز، والمحكم لغة مأخوذة من حكمت الدابة. وأحكمت بمعنى منعت، والحكم: هو الفصل بين الشيئين، فالحاكم يمنع الظالم ويفصل بين الخصمين، ويميز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، ويقال حكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يده، وحكمت الدابة وأحكمتها، إذا جعلت لها حكمة.
وفسر الحكمة بقوله: "وهي ما أحاط بالحنك من اللجام" لأنها تمنع الفرس عن الاضطراب ومنه الحكمة، لأنها تمنع صاحبها عما لا يليق، وإحكام الشيء إتقانه والمحكم المتقن، فإحكام الكلام إتقانه بتمييز