Al-Tuhfa Al-Mahdiyya Sharh Al-Aqidah Al-Tadmuriyya
التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية
प्रकाशक
مطابع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
संस्करण संख्या
الثالثة
प्रकाशन वर्ष
١٤١٣هـ
शैलियों
المجلد الأول
مقدمة
...
مقدمة الكتاب
بقلم الأستاذ
زيد بن عبد العزيز بن فياض
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركا فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين وأفضل الرسل، بعثه بالهدى ودين الحق، ﷺ وعلى آله وصحابته ومن تبعهم إلى قيام الساعة.
"وبعد" فإن الأمة الإسلامية مازالت بخير وهدى مستقيم عندما كانت متمسكة بعقيدتها التي جاء بها نبيها وسار عليها صحابته الكرام، حتى فشت عقائد زائغة وضلالات جائرة قد روجها ذوو الإلحاد وأهل الفتن، وتلقفها عنهم أناس- عموا عن الحق - عنادًا أو جهلا، فكانت عوامل هدم في الأمة فتفرق أمرها وتشتت جمعها، وظلت هذه العقائد الزائغة تعمل في تخريب عملها إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله.
وقيد الله للدفاع عن الإسلام، والذود عن حياضه، وتبيان عقائده الصحيحة من وفقه لهذا الأمر العظيم.
وما فتئوا في كل عصر وجيل يناضلون ويذبون عنه بأسنتهم وألسنتهم وأقلامهم وهم الطائفة المنصورة الذين قال عنهم النبي صلى الله علية وسلم "لا تزال طائفة
1 / 5
من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يَأتِي أمر الله ﵎".
كان شيخ الإسلام أحمد بن تيمية من أجل علماء القرنين السابع والثامن للهجرة فجند وقته للرد على الملحدين وذوي الزيغ وجاهد بلسانه وسلاحه أعداء الإسلام وأهل البدع والخرافات، وصبر على الأذى والظلم، وترك ذكرًا طيبًا ومؤلفات نافعة تبلغ المآت وأنتفع بهذه الكتب خلق عظيم وكانت طريقته فيها الاستدلال بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وسيرة السلف، وأقوال علماء الإسلام مع أيراد الحجج العقلية والبراهين المنطقية في أسلوب واضح، وعبارة سلسلة، وعلم غزير يندر وجود مثيل له فيه.
وإن كانت كتبه المختصرة تحتاج إلى شيء من التوضيح وإظهار ما يقصده بكلامه فهو يشير إلى أشياء - لا تستوعب تلك الرسالة أو الكتاب المختصر- بسطها، وحينئذ قد لا يعرف قارئها مقصد الشيخ وهدفه من الإشارة التي ذكرها عرضًا وإيماء.
وليس كل من اطلع على رسالته تلك يعرف ما تعنيه. فمثلا "كتاب التدمرية" فيه عبارات وجمل يشير بها شيخ الإسلام إلى طوائف ومقاولات معروفة في كتب الملل والنحل ولكنها ليست معروفة لكل من قرأ هذا الكتاب لذلك فإن هذا الشرح الذي ألفه "الشيخ فالح بن مهدي" المدرس بكلية العلوم الشرعية يؤدي هذا الغرض ويجلو ذلك الغموض ويسد فراغًا في إيضاح مقاصد شيخ الإسلام في كتابه التدمرية.
وقد أحسن الأستاذ فالح صنعًا عندما جعل كتب شيخ الإسلام من أهم مراجعه التي استقى منها هذا الشرح.
والأستاذ فالح الذي يقوم حاليا بالتدريس في كلية العلوم الشرعية التي تخرج منها عام ١٣٧٧هـ هو من خير من أنجبتهم هذه الكلية وقد
1 / 6
عرفته طالبا- في حلقات المشائخ- ثم دارسا في المعهد العلمي بالرياض- ثم في كلية الشريعة وأخيرا مدرسا في المعهد العلمي ثم في الكلية. وكان نبيهًا حافظًا طموحًا- متقدمًا بين أقرانه وزملائه.
ولم يكن الأستاذ فالح ممن فرش طريقه بالورود بل كان عصاميا فجد واجتهد حتى نال درجة هو بها جدير.
ولم يثن عزيمته فقدان البصر، بل ربما كان حافزًا له على الجد في الدراسة والتحصيل "وهو اليوم إذ يقدم هذا الشرح للعقيدة السلفية "رسالة التدمرية " فإنه بذلك يضيف إلى المكتبة العربية والإسلامية كتابا نفيسًا ينافح عن العقيدة السلفية، ويبين المذهب السلفي الصحيح الذي ينأى عن العقائد المحرفة والسفسطات المموهة والخرافات المشعوذة وهو مجهود ليس سهلا.. وعمل حرى بالتقدير والتكريم.
إنني أدرك ما في مثل هذا العمل من صعوبة وما يحتاجه من صبر وبحث فقد عانيت في شرحي للعقيدة الواسطية "المسمى الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية المطبوع في أواخر سنة ١٣٧٧ وأوائل سنة ١٣٧٨ والذي هو أول شرح مطبوع للعقيدة الواسطية أقول عاينت في ذلك الشرح ما جعلني أقدر مجهود الأخ فالح في هذا الكتاب الذي أرجو أن ينفع الله به، وأن يثبت مؤلفه خيرًا. وبالله التوفيق.
حرر في ١٨/٥/١٣٨٥ هـ زيد بن عبد العزيز بن فياض
1 / 7
"حياة المؤلف"
بقلم أحد تلاميذه
علي بن حسن شهراني
في قرية (الهدار) خلف سعد بن مهدي الدوسري، وأسرته هموم الحياة وضيق العيش، واستوطنوا (ليلى) حاضرة - إقليم الأفلاج فقرت بها أعينهم، واطمأنت قلوبهم ورضيت نفوسهم بما نالوا فيها من رغيد العيش وطيب المقام عن طريق العمل والكدح.
مولده:
وتمضي الأيام سريعة الخطى حتى عام ١٣٥٢هـ إذ أهلت فرحة وولد أمل فرحة غمرت قلوب الأسرة وأمل أنتشت به نفوس أفرادها ...
تلك الفرحة وذلك الأمل مولد أستاذي الشيخ فالح بن مهدي.
نشأته:
ولد أستاذي فالح بن مهدي بن سعد بن مهدي بن مبارك آل مهدي الدوسري ونشأ كغيره من الأطفال في (ليلى) - الأفلاج -يقضي أوائل النهار في قراءة القرآن الكريم لدى أستاذه الأول "عبد العزيز بن يحيى بن سليمان البواردي" ويقضي أخره في مرح الطفولة وألعابها.
كف بصره:
وفي عام ١٣٦٢هـ وعمره عشرة أعوام أصيب برمد كف بصره وقد حزنت الأسرة لذلك كثيرا غير أن حزنها تضاءل عندما رأته يسير في قراءة
1 / 8
القرآن بجد ونشاط فيختمه عن ظهر قلب خلال ثلاث سنوات أي في عام١٣٦٥هـ وعمره ١٣ عاما. ولم يثبط من عزيمة أستاذي وهمته الطامحه ورغبته في العلم كف بصره إلى أن يهجر مسقط رأسه في الرياض حاضره العلم ومنبع العرفان، ليدرس على مشائخها الأجلاء.
مشائخه:
درس على الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ النحو وثلاثة الأصول والفرائض، ثم على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية كتاب التوحيد وكشف الشبهات والعقيدة الواسطية ولمعة الاعتقاد وبلوغ المرام وقطر الندى وكما درس في فترات على كل من الشيخ عبد اللطيف بن محمد آل الشيخ والشيخ سعود بن رشود والشيخ إبراهيم بن سليمان في علمي التوحيد والنحو.
لتحاقه بمعهد الرياض العلمي:
وفتح معهد الرياض العلمي عام١٣٧١هـ فالحق في السنة الثانية الثانوية ودخل صفوف الدراسة النظامية فسار فيها فكان في طليعة أقرانه على أيدي صفوة من علماء الفقه، والتوحيد، واللغة، والتفسير، والحديث حتى عام ٧٧ حيث أنهي دراسته العالية في كلية الشريعة، وبتخرجه ودع دنيا الدراسة إلى دنيا العمل حيث عين عام ١٣٧٨هـ مدرسا بمعهد الرياض العلمي ومكث به حتى عام ٨١ حيث رفع للتدريس بكلية الشريعة بالرياض ولا يزال بها حتى الآن.
أستاذي كما عرفته:
لقد عرفت أستاذي دينًا دمث الخلق متواضعا يحب التواضع يكره المظاهر أيا كانت يحب الحياة البسيطة لا يعكر صفوة سعادتها كدر.. يحب العلم وطلابه.
1 / 9
ويسرني أن اختتم هذه العجالة بأبيات نظمها ووجهها إلى أبنائه مهدي وسعد ومبارك يحثهم فيها على طلب العلم والتحلي بمكارم الأخلاق:
تعلم بني العلم واتعب لنيله ... وزاحم ذوي التحصيل عند التعلم
ولا ترضين بالجهل ما عشت صاحبا ... ذوو الجهل أشباه لموتى ونوم
فبادر لأخذ العلم عن كل فاضل
... حريص على الطاعات خاش التأثم
وصاحب من الطلاب برًا مهذبا ... وباعد من الشرير واحذره تسلم
وكن عاملًا بالعلم فالعلم خشية ... لذي العرش والتقوى أساس التفهم
وكن عارفًا حق المعلم ناطقا
... بحسن سؤال منصتا للتكلم
وكن حافظا للوقت واعلم بأنه ... ثمين على الإنسان فاشغله تغنم
أمهدي وسعد والمبارك فاسمعوا
... ولا تعدلوا عن نهج أهل التعلم
سألت إله العرش ربي وخالقي ... جزيل العطايا راحمًا ذا ترحم
يهبكم بني العلم والزهد والتقى ... وصل إله العالمين وسلم
على المصطفى الهادي إلى خير شرعة ... وأصحابه أهل التقى والتقدم
1 / 10
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله رب العالمين يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله فاللهم اجعلنا من المهتدين وأصلى وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين وحجة على المعاندين وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين هم بهديه مستمسكون وعلى نهجه سائرون: -
أما بعد فإنه لما كان عام ألف وثلاثمائة وإحدى وثمانين للهجرة صدر أمر من نائب المفتي لشؤون الكليات والمعاهد العلمية صاحب الفضيلة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ بنقلي من التدريس بمعهد الرياض العلمي إلى التدريس بكلية العلوم الشرعية، وكان مما أسند إلي تدريسه بها مادة التوحيد للسنة الأولى وكان المقرر فيها "الرسالة التدمرية" لشيخ الإسلام بن تميمة وقد لاحظت أثناء تدريسي هذه الرسالة أنها في حاجة "ماسة إلى شرح يكشف النقاب عن غامضها ويميط اللثام عن مراميها" ويجمع مفصلها ويوضح مجملها فاستعنت الله تعالى على تأليف هذا الشرح وهو وإن كان مختصرا إلا أنه قد يستعين به الطالب القاصر المستفيد ولا يستغني عنه الأستاذ الراغب المستزيد، بذلت فيه الجهد والوسع رجاء أن يعم الله بنفعه وأن لا يحرمني أجره فرب دعوة مخلصة من مستفيد منه قبلها الله فكانت لي ذخرًا يوم لقاه راجيا ممن وقف عليه أن يعمل بما قاله الأول:
إن تجد عيبا فسد الخللا ... جل من لا عيب فيه وعلا
وسميته "التحفه المهدية" شرح الرسالة التدمرية:
وما توفيقي إلى بالله عليه توكلت وهو حسبي ونعم الوكيل:
1 / 11
صدق العزائم واللجاء ... لا لهنا أقوى سبب
توفيق ربي وحده ... نعم المؤمل في الطلب
والشوق خير مطية
... تطوي الفيافي في طرب
بالأمس كنت وفكرتي
... واليوم تقرأ في كتب
هذي رسالة تدمر
... لإمامنا عال الرتب
أحببت تنبيها على
... ما كان فيها منتقب
أو مجملا فصلته ... والشرح بسط المقتضب
أسميته "مهدية"
... بل تحفة عبر الحقب
نهج الرسول وصحبه ... نهج الأئمة لا عجب
قد شع فيها نوره ... يرمي الضلالة بالشهب
يرمي ضلالة واصل ... مع جهمهم أو من قرب
صلى الإله وسلما ... ما هل ودق من سحب
على النبي وصحبه ... بيض الصحائف والنجب
فالح بن مهدي بن آل مهدي المدرس بكلية العلوم الشرعية بالرياض
في غرة شهر ذي الحجة عام ١٣٨٤ من هجرة المصطفى ﷺ
1 / 12
نبذة عن حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
...
وهذا أوان الشروع في المقصود
قوله:
قال الشيخ الإمام العالم العلامة، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ﵁ وأرضاه:
ش: الشيخ جمعه أشياخ وشيوخ وهو إما مصدر شاخ أو صفة وسمي المؤلف شيخا لما حوى من كثرة المعاني لأن معناه في الاصطلاح من بلغ رتبة أهل الفضل ولو صبيا، وأما في اللغة فمعناه من جاوز الأربعين، وقوله:- الإمام- معناه لغة المقدم على غيره، وفي الاصطلاح من يصح الإقتداء به، وله معان أخر، والعالم كل من اتصف بالعلم ولو كان مبتدئًا في الطلب، والعلامة- صفة مبالغة فلا يوصف بها إلا من حاز المعقول والمنقول والمراد بها هنا كثير العلم وقوله "شيخ الإسلام" أي عالم الإسلام وحجة الإسلام وذلك لما امتاز به على غيره من فرط الذكاء وسيلان الذهن وقوة الحافظة وغزار ة العلم، فقد كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدًا لا يعرف مثله ولم يبرح رحمه الله تعالى في ازدياد من العلم وتدريسه ونشره والاجتهاد في سبيل الخير حتى انتهت إليه الإمامة في العلم، والعمل، والزهد، والورع والحلم، والأناة، وبهذا استحق أن يلقب بحق شيخ الإسلام فهو كقولهم حجة الإسلام، ومعنى اللقبين العالم بعلوم الشريعة والحجة فيها.
وقوله "تقي الدين" أي صينه ونقيه، فقد كان ورعًا صواما ذاكرًا لله تعالى في جميع أحواله عابدًا ناسكًا وقافًا عند حدود الله، وقوله "أبو العباس " أحمد: يعني- ابن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أبي
المحاسن عبد الحليم بن الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام مجد الدين أبي
1 / 13
البركات عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني نزيل دمشق.
وقد ذكر ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان أن المسؤول عن اسم تيمية هو محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله: فعلى هذا يكون عبد السلام بن عبد الله بن محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله المعروف بابن تيمية: قوله: "ابن تيمية " سبب نسبته إلى تيمية هو ما ذكره أبو البركات ابن المستوفي في تاريخ "اربل " قال سألت محمدا يعني ابن الخضر عن اسم تيمية ما معناه " فقال حج أبي أو جدي أنا أشك أيهما قال: وكانت امرأته حاملا فلما كان بتيماء رأى جويرية حسنة الوجه قد خرجت من خباء فلما رجع إلى حران وجد امرأته قد وضعت جارية فلما رفعوها إليه قال: يا تيمية يا تيمية، يعني أنها تشبه التي رآها بتيماء فسمي بها أو كلاما هذا معناه وتيماء بليدة في بادية تبوك إذا خرج الإنسان من خيبر إليها تكون على منتصف طريق الشام. وتيمية نسبة إلى هذه البليدة وكان ينبغي أن تكون تيماوية لأن النسبة إلى تيماء تيماوي لكنه هكذا قال واشتهر كما قال:
قوله الحراني نسبة إلى حران وهي مدينة مشهورة ذكر ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تاريخه أن هارون عم إبراهيم الخليل ﵊ عمرها فسميت باسمه فقيل هاران ثم أنها عربت فقيل
حران وهاران المذكور هو أبو سارة زوجة إبراهيم وكان لإبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام أخ يسمى هاران أيضا وهو أبو لوط ﵇. وقال الجوهري في كتاب الصحاح حران اسم بلد والنسبة إليه حرناني على غير قياس والقياس حراني على ما عليه العامة وهذه الكلمة الوجيزة عبارة عن تقدمة تعريفية بالمؤلف تشير إلى مكانته العلمية ونسبه ووطنه فهي من بعض تلاميذه أو غيرهم ممن نسخو هذه الرسالة أما صلب
1 / 14
كلام المؤلف فيبدأ من قوله الحمد لله نحمده ونستعينه:
وقد ولد الشيخ بحران يوم الاثنين عاشر وقيل ثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة ستمائة وإحدى وستين هجرية وسافر والده به وبإخوته عند جور التتار إلى دمشق أثناء سنة ستمائة وسبع وستين وقد برع في الفنون العديدة وهو ابن بضع عشرة سنة فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه وسيلان ذهنه وقوة حافظته وسرعة إدراكه وقد سمع العلم عن أكثر من مائتي شيخ وجهاده بلسانه وسنانه في سبيل الله مشهور معروف وقد حسده منافسوه وسعوا في مكيدته بغيا وعدوانًا وجرى له من المحن أشياء كثيرة منها محنته بسبب تأليفه الحموية ومنها سجنه بسبب فتياه في الطلاق ولما كان في سنة سبعمائة وست وعشرين وقع الكلام في شد الرحال وإعمال المطي إلى قبور الأنبياء والصالحين فأفتى الشيخ ﵀ بالمنع عن شد الرحال فحصل ما حصل من قضاة عصره وعلماء زمانه فحبس بأمر من السلطان بقلعة دمشق وقد بقي
مقيما بهذه القلعة سنتين وثلاثة أشهر وأياما ثم توفي إلى رحمة الله ورضوانه سنة سبعمائة وثمان وعشرين: وكان في هذه المدة مكبًا على العبادة والتلاوة وتصنيف الكتب والرد على المخالفين فما حاله مع خصومه إلا كما قال الشاعر:
فإن تسجنوا القسرى لا تسجنوا اسمه ... ولا تجنوا معروفه في القبائل
وإذا صح لنا أن نسلب معنى بيت الشاعر قلنا:
فإن تسجنوا التيمي لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا مأثورة في العوالم
خطبة الحاجة ... قوله: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبد هـ ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
خطبة الحاجة ... قوله: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبد هـ ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
1 / 15
ش: هذه خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يعلمها أصحابه روى الإمام أحمد والأربعة من حديث عبد الله بن مسعود قال: علمنا رسول الله ﷺ التشهد في الحاجة: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله": والحاجة هنا عامة تقال في النكاح وغيره كما في الرواية التي عند البيهقي من حديث ابن مسعود إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من النكاح أو غيره فليقل "الحمد لله نحمده ونستعينه" الخ.
ويشهد لهذا ما روي من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلا كلم النبي ﷺ في شيء فقال النبي ﷺ "إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله".
أما بعد:
قال شيخ الإسلام بن تيمية: والأحاديث كلها متفقة على أن نستعينه نستغفره ونعوذ به بالنون والشهادتان بالإفراد، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وقد ذكر لهذا علة وجيهة ونكتة بديعة وهي قوله "لما كانت كلمة الشهادة لا يتحملها أحد عن أحد ولا تقبل النيابة بحال افرد الشهادة بها: ولما كانت الاستعانة والاستعاذة والاستغفار أمورًا تقبل النيابة فيستغفر الرجل لغيره ويستعين الله له ويستعيذ بالله أتى فيها بلفظ الجمع " ولهذا يقول: اللهم أعنا واغفر لنا، قال وفيه معنى آخر وهو أن الاستعانة والاستعاذة والاستغفار طلب وإنشاء فيستحب للطالب أن يطلبه لنفسه ولإخوانه المؤمنين وأما الشهادة فهي إخبار عن شهادته لله بالوحدانية ولنبيه
1 / 16
بالرسالة وهي خبر يطابق عقد القلب وتصديقه وهذا إنما يخبر به الإنسان عن نفسه لعلمه بحاله بخلاف إخباره عن غيره فإنه إنما يخبر عن قوله ونطقه لا عن عقد قلبه والله أعلم، "وقد جاء لفظ الحمد في بعض الروايات بغير النون وفي حديث ابن عباس نحمده بالنون مع أن الحمد لا يتحمله أحد عن أحد ولا يقبل النيابة فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فيه فقد جاءت بهذه الصيغة لتكون ألفاظ الحمد والاستعانة والتعوذ والاستغفار على نسق واحد" وقوله: "من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له" يعني أن الهداية والإضلال بيد الله يهدي من يشاء بفضله ورحمته ويضل من يشاء بعدله وحكمته وهو أعلم بمواقع فضله وعدله وهو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى وله في ذلك الحكمة البالغة والحجة الدامغة:
قال الله تعالى: ﴿مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وقال: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ وقال: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ وقال: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أولِياءَ مِنْ دُونِهِ﴾ إلى أمثال هذه الآيات الكريمة الدالة علي هذا المعنى: فمن العباد الشقي وهو من أضله بعدله ومنهم السعيد وهو من وفقه وهداه بفضله فلله الحمد على فضله وعدله.
وهذه الخطبة كثيرًا ما يفتتح بها المؤلفون كتبهم اقتداء بالنبي ﷺ حيث جاء عنه ﷺ أنه كان في غالب أحواله يفتتح خطبه بخطبة الحاجة وذلك والله أعلم لما اشتملت عليه من صدق اللجاء إلى الله وطلب العون منه والاعتماد عليه والتبري من الحول والقوة إلا به سبحانه والإقرار بوحدانيته وطلب المغفرة منه والاستعانة به من شرور النفس وسيئات الأعمال.
1 / 17
الداعي إلى تحقيق أصلي التوحيد
...
قوله:
أما بعد: فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس من الكلام في التوحيد، والصفات، والشرع، والقدر لمسيس الحاجة إلى تحقيق هذين الأصلين وكثرة الاضطراب فيهما. فإنهما مع حاجة كل أحد إليهما، ومع أن أهل النظر، والعلم، والإرادة، والعبادة: لابد أن يخطر لهم في ذلك من الخواطر، والأقوال ما يحتاجون معه إلى بيان الهدى من الضلال. لاسيما مع كثرة من خاض في ذلك بالحق تارة وبالباطل تارات، وما يعتري القلوب في ذلك: من الشبه التي توقعها في أنواع الضلالات.
ش: يشير المؤلف إلى أن هذه الرسالة عبارة عن مجموعة تقريرات سمعها منه تلاميذه فعز عليهم أن تترك دون تقييد لها مع دعاء الحاجة إلى ذلك والظاهر أن التلاميذ الذين سألوه كتابتها كانوا من أهل "تدمر" كما قال تلميذه ابن عبد الهادي عند بيانه لمصنفات الشيخ قال: ورسالة كتبها لأهل تدمر- انتهى: وتدمر بلدة من بلدان الشام من أعمال حمص وهذا وجه نسبة الرسالة إليها وقد بين المؤلف الأسباب التي من أجلها ألف هذه الرسالة وهي أولا مسيس الحاجة إلى تحقيق الأصلين، ثانيا كثرة الاضطراب فيهما
وقوله " فإنهما مع حاجة كل أحد إليهما ومع أن أهل النظر" الخ.
الظاهر أن خبر إن في قوله- فإنهما - إلى قوله من الشبه - التي توقعها في أنواع الضلالات- محذوف تقديره لفي أمس الحاجة إلى التحقيق والإيضاح الكامل والبيان الشافي، وقد أشار المؤلف فيما بين ذلك إلى الأسباب الموجبة للتحقيق والإيضاح وهي أولا: حاجة الناس إلى هذين الأصلين إذ بهما قوام الدين. ثانيا: أن أهل النظر والعلم والإرادة والعبادة، يحصل عندهم من الخلجات النفسية في هذا الباب ما يحتاجون معه إلى بيان الهدى من الضلال خاصة وأن هذا الباب قد خاض فيه بعض الناس
1 / 18
بالحق تارة وبالباطل مرات عديدة مما سبب بعث الشبه وإدخال الشكوك إلى القلوب، والذين يقومون بهذا الخوض هم الذين اندسوا في عداد المسلمين لا رغبة في الإسلام بل ليكيدوا له ولأهله فإن العقيدة السلفية مازالت على منصة العزة وقمة الكرامة حتى استطاع أعداء الإسلام أن يندسوا بين ظهراني المسلمين وأن يلبسوا الحق بالباطل ويزخرفوا الشبهات والشكوك باسم الدين وفي صورة تنزيه الله عما لا يليق به فردوا آيات الله وحرفوا كتاب الله وعطلوا صفاته العليا وأسماءه الحسنى التي وصف بها نفسه
ووصفه بها نبيه محمد ﷺ ومازالوا يجلبون بنظريات اليونان ومقالات الفرس والهند وآراء الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وإخوانهما من أولئك الزائفين الملحدين حتى راجت تلك الترهات ومضت في طريقها إلى القلوب المريضة تفرح بها والى الأقلام الموبوءة تسجلها على الصحف وتسود بها وجوه الكتب وتنقلها جراثيم فساد وإفساد إلى الذين فتنوا بها فتلوث العقول والفطر وإذًا. فثالث الأسباب لتحقيق هذين الأصلين هو كثرة من خاض في هذا الباب بالحق تارة وبالباطل تارات. ورابعها ما يعتري القلوب من الشبه التي توقعها في أنواع الضلالات ونتيجة لذلك أصبحت كتب التوحيد بحاجة إلى من يصقلها ويبعد عنها تلك الترهات والشبه التي دسها هؤلاء المغرضون بحيث يعود التوحيد صافيا نقيا لا لبس فيه كما كان في عهد الرسالة حيث كان محمد بن عبد الله ﷺ يبلغ عن ربه
ثم ينقل عنه صحابته "ذلك التوحيد ناصع البياض " والمقصود أن هذين الأصلين بعد خلط كتب التوحيد بعلم الكلام ومقالات الفرس واليونان قد أصبحنا في حاجة ماسة إلى التحقيق وبيان الهدى من الضلال ولقد أحسن القائل:
لا تخش من بدع لهم وحوادث ... ما دمت في كنف الكتاب وحرزه
من كان حارسه الكتاب ودرعه ... لم يخش من طعن العدو ووخزه
1 / 19
لا تخش من شبهاتهم واحمل إذا ... ما قابلتك بنصره وبعزه
والله ما هاب امرؤ شبهاتهم ... إلا لضعف القلب منه وعجزه
والشبهات جمع شبهة "وهي برزخ بين الحق والباطل " وقد جعل الله ﷿ بين كل متباينين برزخًا وأهل النظر والعلم والإرادة والعبادة هم قوم من أهل السلوك والسير إلى الله والنظر هو التأمل والتفكر في آيات الله الأفقية والنفسية والعلم هو النور الذي يقذفه الله في القلب وذلك بأن يتحقق انتفاعه مما دعته إليه الرسل وتضرره بمخالفتهم والإرادة هي العقد الجازم على المسير، ومفارقة كل قاطع وعائق، ومرافقة كل معين وموصل، والعبادة "هي كمال الذل والخضوع لله والانكسار له والافتقار إليه مع كمال الحب" وكل هذه الأوصاف التي ذكر المؤلف هي منازل أهل السير إلى الله.
الكلام في باب توحيد الربوبية من باب الخبر، وفي باب الشرع من باب الإنشاء ... قوله: فالكلام في باب "التوحيد والصفات " هو من باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات، "والكلام في الشرع والقدر" هو من باب الطلب، والإرادة: الدائر بين الإرادة والمحبة، وبين الكراهة والبغض نفيا وإثباتا، والإنسان يجد في نفسه الفرق بين النفي والإثبات، والتصديق، والتكذيب، وبين الحب والبغض، والحض والمنع، حتى أن الفرق بين هذا النوع وبين النوع الآخر معروف عند العامة والخاصة وعند أصناف المتكلمين في العلم، كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الإيمان وكما ذكره المقسمون للكلام، من أهل النظر، والنحو، والبيان، فذكروا أن الكلام نوعان خبر، وإنشاء، والخبر دائر بين النفي والإثبات والإنشاء أمر، أو نهي، أو إباحة. ش: الخبر معناه الكلام المخبر به كما في قولهم الخبر هو الكلام المحتمل للصدق والكذب، فالخبر هو ما يحتمل الصدق والكذب لذاته،
الكلام في باب توحيد الربوبية من باب الخبر، وفي باب الشرع من باب الإنشاء ... قوله: فالكلام في باب "التوحيد والصفات " هو من باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات، "والكلام في الشرع والقدر" هو من باب الطلب، والإرادة: الدائر بين الإرادة والمحبة، وبين الكراهة والبغض نفيا وإثباتا، والإنسان يجد في نفسه الفرق بين النفي والإثبات، والتصديق، والتكذيب، وبين الحب والبغض، والحض والمنع، حتى أن الفرق بين هذا النوع وبين النوع الآخر معروف عند العامة والخاصة وعند أصناف المتكلمين في العلم، كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الإيمان وكما ذكره المقسمون للكلام، من أهل النظر، والنحو، والبيان، فذكروا أن الكلام نوعان خبر، وإنشاء، والخبر دائر بين النفي والإثبات والإنشاء أمر، أو نهي، أو إباحة. ش: الخبر معناه الكلام المخبر به كما في قولهم الخبر هو الكلام المحتمل للصدق والكذب، فالخبر هو ما يحتمل الصدق والكذب لذاته،
1 / 20
ويجوز أن يثبت كما يجوز عليه أن ينفى مع قطع النظر عن قائله. وذكر المؤلف أن التوحيد الطلبي الإرادي منقسم إلى مطلوب مراد، وإلى ممنوع مبغض، وقوله في الأول نفيا، وإثباتا معناه أن منه ما يثبت كإثبات أن الله الخالق الرازق، الموصوف بصفات الكمال، ومنه ما ينفى كنفي الشريك له والمثل والكفؤ، وقوله كما ذكره الفقهاء في كتاب الإيمان يعني عند ذكرهم أن اليمين لابد أن تكون على مستقبل ممكن فلا تنعقد على ماض كاذبًا عالمًا به "وهي الغموس " أو ظانًا صدق نفسه فيتبين بخلافه ومعناه الثاني أن منه ما هو مثبت كالأوامر فهي مراد مطلوب فعلها، ومنفي، كالنواهي. ففعلها
مكروه مبغض ممنوع وذكر أن الفرق بين الإثبات والنفي، والتصديق والتكذيب، وبين المحبوب المراد، وبين المكروه المبغض، معروف لدى كل أحد. مستقر في الفطر وقد نص على ذلك الفقهاء والأصوليون
والباحثون في قواعد اللغة العربية والبلاغة، فإن صحة هذا التقسيم اللفظي تابع لصحة انقسام المدلول المعنوي، فإن هذه حقائق ثابتة في نفسها معقولة متميزة يميز العقل بينها ويحكم بصحة أقسامها.
فالمقصود أن معاني الكلام: أما طلب، والطلب أمر ونهي "وهو الإنشاء" وأما خبر وهو ما يصح إثباته كما يصح نفيه لذاته " فمن الطلبي الإرادي توحيد، الشرع "والقدر" فمنه ما هو مطلوب مراد محبوب" كالتوحيد وسائر الطاعات "ومنه ما هو مبغض ممنوع "كالشرع والمعاصي" ومن الخبري "توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فمنه ما يثبت كأوصاف الكمال ونعوت الجلال، ومنه ما ينفي، كنفي النقص والعيوب والشريك والمثيل.
ما يجب على العبد في كل منهما ... قوله: وإذا كان كذلك، فلابد للعبد أن يثبت لله ما يجب إثباته له من صفات الكمال، وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال ولابد له
ما يجب على العبد في كل منهما ... قوله: وإذا كان كذلك، فلابد للعبد أن يثبت لله ما يجب إثباته له من صفات الكمال، وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال ولابد له
1 / 21
في أحكامه من أن يثبت خلقه وأمره فيؤمن بخلقه التضمن كمال قدرته، وعموم مشيئته ويثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه، من القول والعمل، ويؤمن بشرعه وقدره أيمانًا خاليا من الزلل.
ش: يقول المؤلف وإذا كان منقسمًا إلى منفي ومثبت. والطلب إلى محبوب مراد. ومبغض ممنوع، فيجب في باب الصفات أن يثبت لله من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا، ما وصف به نفسه، وما وصفه به رسوله ﷺ كما أنه يجب نفي النقائص والعيوب عن الله سبحانه وسيَأتِي شرح هذه الجملة إذ شاء الله تعالى، إذ الكلام على هذا الأصل هو جل موضوع هذه الرسالة.
وأما الأصل الثاني وهو"توحيد الشرع والقدر" فيجب أن يثبت لله ويسلم له ما شرعه من أحكام ويؤمن بقدر السابق، فإن الإيمان بالقدر مرتبط بامتثال الشرع، وامتثال الشرع مرتبط بالإيمان بالقدر، وانفكاك أحدها من الآخر محال، فإن الإقرار بالقدر مع الاحتجاج به على الشرع ومحاربته به مخاصمة لله تعالى في أمره وشرعه، ووعده ووعيده، وثوابه وعقابه، وطعن في حكمته وعدله، وانتقاد عليه في إرسال الرسل، وإنزال الكتب، ونسبة أحكم الحاكمين وأعدل العادلين إلى العبث والظلم، في ذلك كله وكذلك الانقياد "للشرع " مع نفي القدر وإخراج أفعال العباد ذلك كله، وكذلك الانقياد "للشرع" مع نفي القدر وإخراج أفعال العباد عن قدرة الباري وجعلهم مستقلين مستغنين عنه طعن في ربوبية المعبود وملكوته ونسبته إلى العجز، فالإيمان بالقدر"خيره وشره " هو نظام التوحيد كما أن الإتيان بالأسباب التي توصل إلى خيره وتحجز عن شره واستعانة الله عليهما "هو نظام الشرع" ولا ينتظم أمر الدين ولا يستقيم إلا لمن آمن بالقدر وامتثل الشرع، كما قرر النبي ﷺ الإيمان بالقدر ثم قال: لما قيل له، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: "لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له" فمن نفى القدر وزعم منافاته للشرع فقد عطل الله عن علمه وقدرته ومعاني
1 / 22
ربوبيته، وجعل العبد مستقلا بأفعاله، خالقًا لها فأثبت خالقًا آخر مع الله تعالى، بل أثبت أن لجميع المخلوقين خالقون ومن أثبته محتجًا به على الشرع محاربًا له به نافيا عن العبد قدرته التي منحه الله تعالى إياها وأمره ونهاه، فقد نسب الله تعالى إلى الظلم، وإلى العبث، وإلى ما لا يليق به، فالمؤمنون حقا يؤمنون "بالقدر خيره وشره" وأن الله تعالى خالق ذلك كله لا خالق غيره ولا رب سواه وينقادون للشرع أمره ونهيه ويصدقون خبر الكتاب والرسول ويحكمونه في أنفسهم سرًا وجهرًا وهذا هو الإيمان الخالي من الزلل.
دلالة سورتي الإخلاص على أنواع التوحيد ... قوله: وهذا يتضمن" التوحيد في عبادته"وحده لا شريك له، وهو التوحيد في القصد والإرادة والعمل، والأول يتضمن" التوحيد في العلم والقول" كما دل على ذلك سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ودل على الأخر سورة ﴿قُلْ يا أيهَا الْكَافِرُونَ﴾ وهما سورتا الإخلاص، وبهما كان النبي ﷺ يقرأ بعد الفاتحة في ركعتي الفجر، وركعتي الطواف، وغير ذلك. ش: الإشارة في قوله "وهذا" راجعة إلى توحيد الشرع والقدر وكما يسمى بذلك، يسمى أيضا التوحيد الطلبي الإرادي، وتوحيد العبادة، وتوحيد الألوهية. والتوحيد الفعلي نسبة إلى أفعال العباد، وتوحيد القصد والعمل، فهذه كلها ألقاب لهذا النوع وقوله "والأول " يعني "توحيد الربوبية والأسماء والصفات " السابق ذكره في كلامه ﵀، ويسمى هذا النوع، التوحيد العلمي، القولي والعلمي الخبري. وتوحيد الربوبية، والأسماء والصفات وتوحيد المعرفة والإثبات، والإشارة في قوله "كما دل على ذلك " راجعة إلى "توحيد الربوبية، والأسماء والصفات " وقوله "ودل على الآخر"يعني "وهو توحيد العبادة " وقوله "وهما سورتا الإخلاص، الضمير راجع إلى سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وسورة ﴿قُلْ يا أيهَا الْكَافِرُونَ﴾ وسميتا
دلالة سورتي الإخلاص على أنواع التوحيد ... قوله: وهذا يتضمن" التوحيد في عبادته"وحده لا شريك له، وهو التوحيد في القصد والإرادة والعمل، والأول يتضمن" التوحيد في العلم والقول" كما دل على ذلك سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ودل على الأخر سورة ﴿قُلْ يا أيهَا الْكَافِرُونَ﴾ وهما سورتا الإخلاص، وبهما كان النبي ﷺ يقرأ بعد الفاتحة في ركعتي الفجر، وركعتي الطواف، وغير ذلك. ش: الإشارة في قوله "وهذا" راجعة إلى توحيد الشرع والقدر وكما يسمى بذلك، يسمى أيضا التوحيد الطلبي الإرادي، وتوحيد العبادة، وتوحيد الألوهية. والتوحيد الفعلي نسبة إلى أفعال العباد، وتوحيد القصد والعمل، فهذه كلها ألقاب لهذا النوع وقوله "والأول " يعني "توحيد الربوبية والأسماء والصفات " السابق ذكره في كلامه ﵀، ويسمى هذا النوع، التوحيد العلمي، القولي والعلمي الخبري. وتوحيد الربوبية، والأسماء والصفات وتوحيد المعرفة والإثبات، والإشارة في قوله "كما دل على ذلك " راجعة إلى "توحيد الربوبية، والأسماء والصفات " وقوله "ودل على الآخر"يعني "وهو توحيد العبادة " وقوله "وهما سورتا الإخلاص، الضمير راجع إلى سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وسورة ﴿قُلْ يا أيهَا الْكَافِرُونَ﴾ وسميتا
1 / 23
بالقصد والإرادة " وأما سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فمتضمنة للتوحيد القولي العلمي كما ثبت في الصحيحين عن عائشة
﵂ أن رجلا كان يقرأ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ في صلاته فقال النبي ﷺ سلوه لم يفعل ذلك؟ فقال: لأنها صفة الرحمن فإنا أحب أن أقرأ بها فقال أخبر وه أن الله يحبه، "فقل يا أيها الكافرون" اشتملت على التوحيد العملي نصا؟ وهي دالة على العلمي لزومًا و﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾
اشتملت على التوحيد القولي نصا وهي دالة على التوحيد العملي لزومًا. ولا يتم أحد التوحيدين إلا بالآخر، والظاهر أن السر في قراءته ﷺ سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وسورة ﴿قُلْ يا أيهَا الْكَافِرُونَ﴾ في ركعتي الطواف أنه لاستحضار عظمة الله وإشعار القلب أن الطواف بالكعبة ليس عبادة لها، وإنما هو عبادة الله الأحد الصمد الذي لا يستحق العبادة سواه، وإنما الطواف كسائر العبادات امتثالا لأمر الله وشرعه، على حد قول عمر ﵁، لما قبل الحجر الأسود "والله أني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" وقوله: وغير ذلك، يعني كالمغرب والوتر فإن النبي ﷺ كان يقرأ بهما في ذلك، لأن المغرب خاتمة النهار، والوتر خاتمة عمله بالليل كما كان يقرأ بها في الفجر ليكون أول نهاره توحيدًا.
الأصل في باب الأسماء والصفات ... قوله: فأما الأول، وهو التوحيد في الصفات فالأصل في هذا الباب أن
الأصل في باب الأسماء والصفات ... قوله: فأما الأول، وهو التوحيد في الصفات فالأصل في هذا الباب أن
1 / 24