فطلّقها فلست لها بندّ ... وألا مضّ مفرقك الحسام
أمّا قوله: أأن نادى هديلا، فأني سمعت الأخفش يقول: سمعت المبرد يقول أصحابنا تقول: هديل الحمام هديلا، وهدر هديرا: إذا صوّت، وهدر الجمل ولا يقال هدل. وغير أصحابنا يجيزه، فإذا طرب قيل غردّ تغريدا. والتغريد قد يكون للإنسان وأصله من الطير. وبعضهم يقول: الهديل: ذكر الحمام، ويحتج بقول الراعي: الكامل
كهداهد كسر الرّماة جناحه ... يدعو بقارعة الطريق هديل
وساق حرّ: ذكر القمارى والحمام، ومنه قول الطرمّاح في تشبيهه الرماة بالحمام: المديد
بين أظآر بمظلومة ... كسراة الساق ساق الحمام
وأمّا قوله: " سلام الله يا مطر طيها " فانه منادى مفرد ونَوَّنهُ ضرورة.
وأمّا الخليل والمازني وسيبويه، فيختارون أن ينوّنوه مرفوعا ويقولون: لما اضطررنا إلى تنوينه نوّناه على لفظه، والى هذا كان يذهب الفراء ويختاره.
وأماّ أبو عمرو بن العلاء ويونس وعيسى بن عمرو الجرمي فينشدونه: " يا مطرا عليها " بالنصب والتنوين ويقولون: ردّه التنوين إلى أصله، وأصله النصب وهو مثل اسم لا ينصرف فإذا اضطر الشاعر إلى تنوينه نوّنه وصرفه وردهّ إلى أصله. قال الشاعر: الكامل
ما إن رأيت ولا أرى في مدّتي ... كجواري يلعبن في الصحراء
ألا ترى كيف نوّنه وخفضه. والقول عندي قول الخليل وأصحابه، وتلخيص ذلك: أن الاسم المنادى المفرد العلم مبني على الضم لمضارعته عند الخليل وأبي عمرو وأصحابهما للأصوات، وعند غيرهما لوقوعه موقع المضمر فإذا لحقه التنوين في ضرورة الشعر فالعلةّ التي من أجلها بني قائمة بعد فينوّن على لفظه لأنّا قد رأينا من المبنيّات ما هو منوّن نحو ايه، وغاق وما أشبه وليس بمنزلة ما لا ينصرف. لأن ما لا ينصرف أصله الصرف. وكثير من العرب لا يمتنع من صرف شيء في ضرورة شعر ولا غيره ألا أفعل منك. وعلى هذه اللغة قرئ " قواريرا قوايرا من فضة " بتنوينهما جميعها. فإذا نوّن فإنما يردّ إلى اصله، والمفرد المنادى العلم لم ينطق به منصوبا قط منوّنا في غير ضرورة شعر. وهذا بينّ واضح اخبرنا عبد الله بن مالك قان اخبرنا الزبير بن بكار عن عمّه قال: خرج عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة إلى الشام فلقيه جميل فقال: أنشدني شيئا عن شعرك يا جميل فانشد الطويل
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
ثم قال: أنشدني يا أبا الخطّاب فأنشده: الطويل
ألم تسأل الأطلال والمتربعا ... ببطن حليّات دوارس بلقعا
أما في رسول من ثلاث كواعب ... ورابعة تستكمل الحسن أجمعا
فلما تواقفنا وسلمت أقبلت ... وجوه رعاها الحسن أن تتقنّعا
تبالهن بالعرفان لما عرفنني ... وقلن: امرؤ باغ أضلّ وأوضعا
وقرَّبن أسباب الهوى المتيمّ ... يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا
فقلت لمطريهنّ في الحسن إنّما ... ضررت فهل تسطيع نفعا فتنفعا؟
فصاح جميل: هذا والله الذي أخذ منه النسيب، ولم ينشد شيئا إلى أن افترقا.
يقال: نسب الشاعر بالمرأة ينسب نسيبا: إذا ذكر محاسنها في شعره. ونسب الرجل ينسبه نسبا ونسبة.
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا المبرد قال أنشدني العطوي لنفسه يرثي أحمد بن أبي دؤاد: الطويل
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أصلاب قوم تقصّف
وليس نسيم المسك ريّا حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف
أنشدنا ابن دريد لنفسه: مجزوء الرمل
أعن الشمس عشاء ... كشفت تلك السّجوف
أم عن البدر تسرّى ... موهنا ذاك النصيف
أم على ليتي غزال ... علقت تلك الشنوف
أم أراك الحين ما لم ... يره القوم الوقوف
إنّ حكم المقل النجل ... على الخلق يحيف
هنّ قرّبن إلى ال ... وجد والوجد قذيف
فأزلن الصبر عنّي ... وهو لي خدن حليف
يالها شربة سقم ... شوبها سمّ مدوف
ساقها الحين لنفسي ... جهرة وهي عيوف
يا ابنة القيل اليماني وللدّهر صروف
1 / 67