ثم كتابه «أشكال الأشياء القادمة» وهو تعقيبات وشروح وتكهنات عن الكتاب السابق. وقد وضعه في 1933.
وأخيرا كتابه «طوالع الإنسان» وقد ألفه في 1942. وهو أيضا مثل الكتاب السابق تعقيبات وشروح.
وصفحات هذه الكتب الأربعة تبلغ نحو ألفي صفحة كبيرة. وهي جميعها حافلة بالإحصاءات والإشارات إلى دراسات أخرى.
ومن هذه العجالة يرى القارئ أن «ولز» طراز جديد من الأدباء. أجل، هو أديب علمي، سوف نرى في هذا القرن مئات يسيرون على الطريق الذي شقه. ولن يكون هذا للتقليد، ولكن لأن أدباء القرن العشرين سيجدون من واجبهم أن يقفوا حياتهم على حل المشكلة القائمة، وهي التقدم الرائع في العلوم المادية مع الجمود التام في العلوم الاجتماعية، وما ينتجه هذا من الرعب في جميع المتبصرين المتكهنين الذين يرون الطاقة الذرية تصطدم بالغيبيات، والاختراع العلمي يصطدم بالوضع الاجتماعي.
جالزورثي
لما منحت جائزة نوبل ل «جالزورثي» دهش جمهور الأدباء أو قراء الأدب، فإن اختيار هذا الأديب الإنجليزي وتمييزه من بين جميع أدباء العالم بهذه الجائزة السنية يدل على أن المستوى الأدبي في العالم قد انخفض قليلا، فإن «جالزورثي» أديب «إنجليزي» يكتب للإنجليز؛ ولذلك فإن بصره وبصيرته محدودان بالبيئة الإنجليزية، وقلما تجد له قراء في القارة الأوروبية أو في القارة الأمريكية.
والأديب العظيم الآن لا يقنع بارتقاء عرش الأدب في بلاده فقط لأنه هو بطبيعة العلاقات البشرية القائمة يسمو إلى الإمبراطورية لا إلى الملوكية في الأدب، فنحن في عصر قد صغر إليه العالم، وأصبح على حد قول «ولز»: قريتنا الكبرى. تضطرنا الصحف في الصباح إلى أن نفكر في الاستعمار الياباني في منشوريا، وتضطرنا الأزمات في بلادنا إلى أن ندرس عواملها في إنجلترا والشرق الأقصى. وقد أصبح «غاندي» وكأنه زعيم وطني لكل بلاد منكوبة بالاستعمار. وأصبحت البطالة والأجور والآراء عنهما تدرس في ألمانيا على ضوء الأحوال الجديدة في الولايات المتحدة، فالأمم الآن تتفاعل كما تتفاعل العناصر في المعمل الكيماوي؛ ففي أفريقيا الجنوبية يؤسس «غاندي» «مزرعة تولستوي». و«أناطول فرانس» يمنح ثمانية آلاف من الجنيهات (وهو مقدار جائزة نوبل التي نالها) لتخفيف الفاقة في روسيا. و«برنارد شو» يتكلم عن دنشواي كما يتكلم عنها المصري الوطني. و«رومان رولان» يغادر وطنه فرنسا إلى سويسرا لأنه ينكر عليها الحرب مع ألمانيا ... إلخ.
وفي مثل هذه الظروف العالمية لا يمكن الإنسان أن يعد أديبا من الطبقة الأولى ما لم تتجاوز همومه واهتماماته وطنه إلى أوطان البشر كافة؛ لأن الأديب كالدين يجب أن يتجاوز الحدود الوطنية. ولو أن جائز «نوبل» أعطيت ل «ولز» لكان الإجماع على سداد هذا العمل عاما من جميع الأمم. والفرق بين «ولز» و«جالزورثي» هو أن الأول يخدم العالم ويدرسه ويشتغل بهمومه في الثقافة والأخلاق، بينما الثاني يقصر درسه على إنجلترا.
ونحن عندما نفحص عن أديب إنجليزي ونتحرى بواعثه، لا نستطيع أن نهمل رأيه عن الاستعمار البريطاني؛ لأن هذا الاستعمار ينكب العالم نكبة واضحة كما لا نستطيع أن نهمل رأي الأديب المصري عن المرأة أو الفلاح اللذين سحقتهما التقاليد. وإذا نحن ألفينا فيه إهمالا أو نقصا في درس هذا الموضوع جاز لنا أن نحكم على ضميره بالنقص ، فإن أديبا يرى دولته تملأ أقطار العالم بالولاة والمحافظين والمندوبين السامين كي يحكموها على الرغم منها، ويقهروا فيها الحرية، ويعطلوا فيها الثقافة ويحبسوا فيها زعيما من زعماء الإنسانية مثل «غاندي»، لجدير بأن يتهم في ضميره الأدبي إذا سكت. و«جالزورثي» لم يقل كلمة في استنكار الاستعمار البريطاني، فكان بذلك شيطانا أخرس.
ولا يذكر «جالزورثي» حتى يخطر بالبال «أرنولد بنيت»، فإنهما يشتركان في درس الطبقة الإنجليزية المتوسطة. ولكن «جالزورثي» يدرسها ويستنكر إكبابها على جمع المال وإهمال الفنون وجمود الضمير، بينما الثاني لا يرى فيها إلا كل ما يحب ويستحق الإعجاب. ثم إن «أرنولد بنيت» يعد من أبناء القرن التاسع عشر. ينزع إلى الانفرادية ويؤمن ب «هربرت سبنسر» في المادية العلمية والنزاع الاقتصادي، ويسلم بفضيلة الاعتماد على النفس في الوسط الصناعي الحاضر، ويكبر من شأن النجاح. وله كتب سخيفة في هذا الموضوع، يشرح فيها حياة الأغنياء وترف المال بالإعجاب.
अज्ञात पृष्ठ