﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾:
﴿الْجَحِيمِ﴾: المتأجّج من النار. وأصحابها: الملازمون لها، وفي تسميتهم أصحاب الجحيم دون أن يقول: الكافرين، أو المكذبين إيذانٌ بأن أولئك المعاندين من المطبوع على قلوبهم، فلا يرجى منهم الرجوع عن الكفر، والتعنت إلى الإيمان والإذعان. وفي هذه الجملة - مع قوله في الجملة السابقة: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ - تسلية له ﷺ؛ حيث لم يؤمن به أولئك الجاحدون المتعنتون. والمعنى: لا تذهب نفسك عليهم حسرات، فإن عليك أن تبشر وتنذر، وليس عليك أن توجد الهداية في قلوبهم، فأنت غير مسؤول - بعد ما بلغت- عن عدم اهتدائهم، بل الله يهدي من يشاء.
﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾:
الملة: الطريقة المسلوكة، ثم جعلت اسمًا لما شرعه الله لعباده على لسان نبيه؛ ليتوصلوا به إلى السعادة الدائمة، وقد تطلق على ما ليس بشرع حق من الأديان المحرفة أو الباطلة، كما قال يوسف ﵇ فيما قصة الله عنه: ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [يوسف: ٣٧]. وأفردت الملة، فقال تعالى: ﴿مِلَّتَهُمْ﴾ مع أن لكل من اليهود والنصارى ملة خاصة؛ لأن الملتين بالنظر إلى مخالفتهما لدين الإسلام وما طرأ عليهما من التحريف بمنزلة ملة واحدة، فاتباع إحداهما كاتباع الأخرى في قلة الانتفاع به. ونفي القرآن الكريم رضا الفريقين عن النبي ﷺ على وجه المبالغة؛ إذ علقه على أمر يستحيل صدوره عنه، وهو اتباعه لملتهم، فلا يرجى حينئذ رضاهم عنه، وإيمانهم به.