आधुनिक युग में इस्लामी विचार के प्रमुख स्तंभ
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
शैलियों
والمفروض أن الأجيال متراجعة إلى الانحطاط، والأجيال الحاضرة والمقبلة تتصل بعصر النبي
صلى الله عليه وسلم
من خلف إلى سلف، وأن الأئمة المجتهدين بعداء في عصور ذاهبة في أعماق الماضي لا يستطيع الحاضر أن يدرك غبارها.
ونسارع إلى بيان أن أستاذنا صرح في تفسير سورة «العصر» بفساد ما عليه الناس من ذم عصورهم، ونسبة ما شاءوا من الخير إلى ما كان قبلهم من العصور، كما صرح في كثير من أقواله وكتاباته بعيب التعليم الأزهري ومناهجه.
هذا وكان في الأزهر نفسه تدافع بين الشرعيين والصوفية؛ فأولئك كانوا يرون في الخروج عن العلوم النقلية المتداولة في الأزهر تمردا على الدين، وهؤلاء كانوا يطمحون إلى أنواع من المعارف التي لها مساس بالتصوف.
ودليل هذا التدافع ما ذكره الصوفي الأزهري الشيخ حسن رضوان المتوفى سنة 1310ه/1892م في منظومته المسماة «روض القلوب المستطاب»، وقد كان للشيخ المذكور مريدون بين علماء الأزهر وطلابه، منهم الشيخ حسن الطويل، والشيخ محمد البسيوني، وهما من أساتذة الشيخ محمد عبده، ومنهم الشيخ محمد عبده نفسه، وجماعة من إخوانه، وبذلك يظهر أن الشيخ حينما جاء إلى الأزهر انضم إلى حزب التصوف، وهو أقل الحزبين جمودا، وأقلهما نفرة من الجديد.
كان الأستاذ متصوفا مدة الدراسة مع شيوخه وزملائه، متصوفا في أيام المسامحات، مع خال أبيه الشيخ درويش خضر، حتى انطبع تفكيره بنوع من الخيال الصوفي الذاهب في الروحانيات إلى ما يجاوز مدى الفهم أحيانا.
انساق بعض الأساتذة في الأزهر إلى دراسة الفلسفة الإسلامية بحكم نزوعه إلى التصوف الإسلامي الذي صار متأثرا بمذاهب الفلسفة، وخصوصا مذهب أرسطو الذي يعتبر إماما لفلاسفة العرب، كما انساق بعضهم أيضا إلى مدارسة الأدب باعتباره من الفنون الجميلة، وقد كان الشيخ حسن الطويل والشيخ محمد البسيوني من أساتذة الشيخ محمد عبده، فهو كان متصلا بالحركة الصوفية المخلوطة بالفلسفة، وكان متصلا بالحركة الأدبية، على أنه لم يبعد كل البعد عن المحافظين على القديم، فحضر دروس زعمائهم المشهورين؛ كالشيخ عليش، والشيخ رفاعي، والشيخ الجيزاوي، والشيخ الطرابلسي، والشيخ البحراوي.
ولما حضر إلى مصر السيد جمال الدين الأفغاني في سنة 1288ه/1871م صاحبه الأستاذ الشيخ محمد عبده؛ يحضر دروسه، ويلازم مجالسه التي كانت مجالس حكمة وعلم، وكان يومئذ فتى متأثرة عواطف قلبه الفتي بمنازع التصوف، ورياضاته ومواجده، وكان يتلقى علوم الأزهر على أنماطها المعروفة، شاعرا بأن وراءها كمالا علميا لا يجده فيما حوله. وكان السيد الأفغاني وحده قادرا على تخليص الشيخ محمد عبده من خموله الصوفي، وتخليصه من الحيرة في التماس الكمال العلمي؛ إذ كان السيد جمال الدين الأفغاني، الكبير بمواهبه الفطرية، وبسعة علمه، وحسن نظام فكره، وسمو مطامحه، وعلو نفسه القوية، المشتعلة حياة وعزما، والمملوء بالحوادث الجلى والآلام، قد صاحبه الشيخ محمد عبده تلميذا وصديقا منذ سنة 1288-1296ه/1871-1879م، وبعد سنتين من صحبة الشيخ محمد عبده للسيد جمال الدين ظهر لنا ذلك الشاب المتصوف، الذي كان ينطلق في القول على وجل إذا سأله العامة عن شيء من أمر دينهم في تلك المجامع التي كان يقوده إليها خال أبيه الشيخ درويش، مؤلفا جريئا يكتب رسالة سنة 1290ه/1873م، وفيها الكثير من المذاهب الفلسفية والصوفية.
وفي سنة 1292ه/1875م ألف الشيخ محمد عبده حاشيته على شرح الجلال الدواني للعقائد العضدية، ولم يكن يومئذ قد جاوز السادسة والعشرين من عمره، ولكنه ظهر فيها محيطا بمذاهب المتكلمين والفلاسفة المتصوفة إحاطة فهم ونقد، وقد ضمنها توضيحا لمختلف المذاهب في الإلهيات والنبوات.
अज्ञात पृष्ठ