आधुनिक युग में इस्लामी विचार के प्रमुख स्तंभ
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
शैलियों
وفي سنة 1281ه/1864م جلس في دروس العلم في المسجد الأحمدي. قال الأستاذ في الترجمة التي كتبها لنفسه: «وقضيت سنة ونصفا لا أفهم شيئا لرداءة طريقة التعليم، فأدركني اليأس من النجاح، وهربت من الدرس، واختفيت عند أخوالي مدة ثلاثة أشهر، ثم عثر علي أخي وأخذني إلى المسجد الأحمدي، وأراد إكراهي على طلب العلم، فأبيت وقلت له: قد أيقنت ألا نجاح لي في طلب العلم، ولم يبق علي إلا أن أعود إلى بلدي وأشتغل بملاحظة الزراعة كما يشتغل الكثير من أقاربي، وانتهى الجدل بتغلبي عليه، وأخذت ما كان لي من ثياب ومتاع ورجعت إلى محلة نصر على نية ألا أعود إلى طلب العلم، وتزوجت في سنة 1282ه/1865م على هذه النية.»
قال الأستاذ بعد ذلك: «فهذا أول أثر وجدته في نفسي من طريقة التعليم في طنطا، وهي بعينها طريقته في الأزهر، وهو الأثر الذي يجده خمسة وتسعون في المائة ممن لا يساعدهم القدر بصحبة من لا يلتزمون هذا السبيل في التعليم، غير أن الأغلب من الطلبة الذين لا يفهمون، تغشهم أنفسهم، فيظنون أنهم فهموا شيئا، فيستمرون على الطلب، إلى أن يبلغوا سن الرجال، وهم في أحلام الأطفال، ثم يبتلى بهم الناس ، وتصاب بهم العامة، فتعظم بهم الرزية؛ لأنهم يزيدون الجاهل جهالة، ويضللون من توجد عنده داعية الاسترشاد، ويؤذون بدعاويهم من يكون على شيء من العلم، ويحولون بينه وبين نفع الناس بعلمه.»
وبعد أن تزوج الفتى الهارب من طلب العلم، قهره والده على الرجوع إلى طنطا، فهرب في الطريق إلى بلدة «كنيسة أورين» من قرى مركز شبراخيت، وغالب سكانها من خئولة أبيه، وصادف في مهربه من داوى نفرته وسهل عليه من طلب العلم ما وجده عسيرا؛ إذ اتصل بالشيخ درويش خضر أحد أخوال أبيه، وهو رجل سبقت له أسفار إلى صحراء ليبيا، ووصل إلى طرابلس الغرب، وجلس إلى السيد محمد المدني والد الشيخ ظافر، وتعلم عنه شيئا من العلم، وأخذ عنه الطريقة الشاذلية، وكان يحفظ بعض كتب الحديث ويجيد حفظ القرآن وفهمه، ثم رجع من أسفاره إلى قريته واشتغل بالزراعة.
ووصف الأستاذ الأثر الذي وجده في نفسه من صحبة الشيخ درويش خضر، فقال: «رأيتني أطير بنفسي في عالم آخر غير العالم الذي كنت أعهده، واتسع لي ما كان ضيقا، وصغر عندي من الدنيا ما كان كبيرا، وعظم عندي من أمر العرفان والنزوع بالنفس إلى جانب القدس ما كان صغيرا، وتفرقت عني هموم النفس، إلا هما واحدا، هو أن أكون كامل المعرفة، كامل أدب النفس.»
وبعد أن قضى الشاب في «كنيسة أورين» خمسة وعشرين يوما، ذهب إلى طنطا في شهر جمادى الآخرة سنة 1282ه/أكتوبر سنة 1865م، مشروح الصدر لطلب العلم، مقبلا عليه ببركة إرشاد الشيخ درويش.
وإذا كانت التربية الحديثة تدعو إلى تهذيب الذوق بفنون الجمال، فإن التربية الصوفية تدعو إلى تلطيف السر بأنواع الرياضة، كالعبادة المشفوعة بالفكرة، والألحان المستخدمة لقوى النفس، هذه التعاليم من شأنها أن تربي الوجدان، وتلطف السر، وتكمل النفس وتزينها، ولا جرم أنه كان صوفي الأخلاق.
قضى الإمام نحو أربع سنين في بداية تكوينه الفكري بالجامع الأحمدي بطنطا - نسبة إلى السيد أحمد البدوي أشهر أولياء القطر المصري - وقد نبهت هذه السنوات عقله إلى البدع الدينية وعملها في العقول والأخلاق، بيد أنها مست أيضا بعض الجوانب من نفسه فتركت في منازعها المتسامية إلى الكمال والفهم موطن تأثر. قال الأستاذ فيما كتبه من تاريخ حياته: «وفي يوم من شهر رجب من تلك السنة (1282ه) كنت أطالع بين الطلبة وأقرر لهم «معاني شرح الزرقاني»، فرأيت أمامي شخصا يشبه أن يكون من أولئك الذين يسمونهم بالمجاذيب، فلما رفعت رأسي إليه قال ما معناه: ما أحلى حلواء مصر البيضاء! فقلت له: وأين الحلوى التي معك؟ فقال: سبحان الله! من جد وجد، ثم انصرف، فعددت ذلك القول إلهاما ساقه الله إلي ليحملني على طلب العلم في مصر دون طنطا.»
ذهب المجاور الشيخ محمد عبده بتصرفه إلى الأزهر في شوال سنة 1282ه فبراير سنة 1866م قبل ست سنوات من وضع الشيخ المهدي العباسي شيخ الأزهر أول قانون للتدريس فيه، وأراد الجيل العلمي الجديد في ذلك العهد أن يعرب كتبا أوروبية مكتوبة في الغالب بلسان فرنسي، ولم يجد من المصطلحات القديمة متسعا، فوضع عبارات محدثة، وأوجد أسلوبا جديدا لم يرض عنه الأزهريون، ومنذ يومئذ دخل إلى الأزهر التنازع بين القديم والجديد.
أما الروح السائدة في التعليم الأزهري فكانت على ما وصفها بعض علماء الفرنجة في قوله: «ولئن كانت أنماط التعليم والبحث في الأزهر تختلف عما هو مستعمل في الغرب الآن اختلافا أساسيا، فهي لا تختلف في شيء عن الأنماط التي كانت عندنا قديما.» وفي قوله: «أثر العلوم النقلية في قهر العقول الذي أخذ في التلاشي عندنا منذ قرون لا يزال في عنفوان سطوته في الجامعات الإسلامية.»
وليس الغرض من العلم عند أهل الأزهر يومئذ هو البحث للتحقيق والمقارنة والتمحيص، ولكنه النقل الصحيح لما ترك الأقدمون.
अज्ञात पृष्ठ