قال أبو مسلم: «ليس على صاحب الخبر من حرج، ولا ينبغي أن يؤخر إذنه.» والتفت إلى خالد كأنه يستطلع رأيه في ذلك، فأجاب خالد بإشارة من رأسه أن ذلك هو الصواب. ثم أمر حاجبه أن يغلق الباب ويخرج، وأشار إلى الرسول أن يجلس، فجلس متأدبا، فقال له أبو مسلم: «ما خبرك؟ وكيف فارقت مرو؟»
قال: «فارقتها والحصار شديد عليها، والأعداء محدقون بها.»
قال أبو مسلم: «أظنك تعني ابن الكرماني؟»
قال: «أعنيه وأعني شيبان الخارجي، فإنهما يقاتلان معا نصر بن سيار؛ صاحب مرو. وكل منهما يضمر السوء لصاحبه.»
فقال خالد: «وكيف ذلك وعهدي بالكرماني أنه دخل مرو وأخرج نصرا منها؟»
قال الجاسوس: «نعم يا مولاي، قد كان ذلك، ولكنه لم يدم، ولكي يتضح لكم الواقع استأذن الأمير ببعض التفصيل.»
قال أبو مسلم: «قل ولا توجز.»
قال: «لا يخفى على مولاي أن أمر بني أمية قد أخذ في الضعف منذ عدة سنين، وإنما بقي الحكم في أيديهم تهيبا من اسم الخلافة واحتراما للدين، فلما أفضت الخلافة إلى مروان بن محمد، واختلف أهله في بيعته، وانتقضوا عليه؛ تجرأ الناس على مخالفته. وبعد أن كانت الأحزاب نائمة أو ساكنة هبت عليه دفعة واحدة؛ فقام الخوارج وغيرهم ممن يطمعون في السلطة لأنفسهم، ومنهم الكرماني. وللكرماني - أيها الأمير - حديث طويل مع نصر بين سيار؛ أمير مرو. هل أقصه عليكم؟»
قال: «لا بد من ذلك ؛ لأن التفصيل يهدينا إلى مخارج الأمور ومداخلها.»
قال: «لما مات أسد بن عبد الله؛ والي خراسان، منذ عشر سنين، استشار هشام بن عبد الملك (الخليفة يومئذ) بعض خاصته فيمن يوليه مكانه، فعرض عليه بعضهم أن يولي الكرماني - وهو من رجال الدولة، وأهل النجدة والحزم - فأعرض عنه هشام وقال: «ما اسمه؟» قال: «جديع بن علي.» فقال هشام: «لا حاجة لي به.» لأنه تطير من اسمه، فعرض عليه غيره وغيره حتى استقر الأمر لنصر بن سيار؛ والي خراسان الآن. فكأن الكرماني أسر ذلك في نفسه.
अज्ञात पृष्ठ