وكان أبو سلمة يخاطب صالحا وهو يتمشى، فلما سمع قوله وقف وأطرق وسبابته بين شفتيه ينقر بها قواطعه، ويده الأخرى في منطقته، ثم رفع بصره إلى صالح وقال: «ماذا تعني يا صالح؟»
فقال صالح: «أعني أن نقتل ذلك الرجل.»
فقال أبو سلمة: «ومن الذي يجرؤ على قتله؟»
فقال صالح: «علي تدبير ذلك. أنا أقتله ولا يشعر بي أحد. فهل إذا فعلت ذلك يهون عليك تحويل هذه الدعوة ومقاومة أبي مسلم. إنه بدونك لا يستطيع عملا، ولا سيما إذا علم الناس بمقتل صاحب الوصية؛ فلا شك عندي أنهم سيفرحون لقتله، وأول من يفرح هذه المسكينة التي قتل أبو مسلم أباها، ونهب قصره، وجعلها شريدة طريدة . وأخشى أن يصل خبرها إلى أبي مسلم فيبعث إليها ؛ لأنه يفتش عنها لكي يقتلها. فتأمل واعتبر هذه المعاملة. ولا غرو؛ فإن هذه هي قاعدة العمل عند أبي مسلم، يتقرب إلى الرجل وهو في حاجة إليه، فإذا فرغ من حاجته قتله، فيجب أن يكون كل منكم ساهرا على حياته. أقول ذلك بكامل الحرية ولك الخيار.»
فأدرك أبو سلمة أنه يعرض بالخطر على حياته هو، فتجاهل وعاد إلى إتمام الحديث فقال: «وهل أنت واثق من قدرتك على ما وعدت به؟»
قال صالح: «لك علي ذلك في مدة لا تتجاوز مسافة الطريق وبضعة أيام. أليس صاحبكم في الحميمة؟»
فقال أبو سلمة: «بلى.»
قال صالح: «لا تمضي أربعة أسابيع أو نحوها حتى يقضى عليه، وسأذهب في هذه المهمة وأترك عندك مولاتي الدهقانة وخدمها، وربما أخذت معي واحدا منهم، فأوصيك بها خيرا.»
قال أبو سلمة: «لا توصيني ببنت دهقان مرو؛ فإنه كان صديقي، فضلا عن صلة النسب بيننا، فإن شيرين خالة جلنار، وقد احتضنتها احتضان الوالدة لولدها؛ فكن مطمئنا لهذا الأمر.»
وكان أبو سلمة قد استبشر بما سمعه من صالح، وتوسم في الرجل قوة وعزما، وجاء كلامه مطابقا لما في خاطره، فعزم على استخدامه لتحقيق مصلحته، فأظهر له الارتياح وأثنى عليه، ولم يعلم أن صالحا إنما فعل ذلك خدمة لمصلحته هو، لا يهمه من تلك الأحزاب غير الخوارج، وإنما يهمه فضلا عن ذلك أن ينتقم لنفسه من أبي مسلم؛ لأنه تعمد قتله بالسم، وأبو مسلم يحسبه في عداد الأموات.
अज्ञात पृष्ठ