قال: «قصر مولاي الدهقان؛ فإننا على مقربة منه.»
فاطمأن بالها لقربها من بيت أبيها، وبعد قليل أطلوا على القصر، فأسرع حتى بلغ الباب فطرقه وصاح بالبواب: «افتح؛ إن الدهقانة قادمة.» فبغت البواب ولم يصدق، ولكنه سمع صوتها وهي تناديه ففتح لهم، فدخلوا بالجياد وترجلوا في الحديقة، ومد صالح يده وأعطى الغلام كيسا وأمره بالرجوع، فركب أحد الأفراس وساق الفرسين ورجع إلى مرو.
وكان أهل القصر نياما، فأمرت الدهقانة البواب ألا يوقظ أحدا منهم إلى الصباح، ودخلت وصالح وريحانة معها إلى قاعة والدها وهي على مثل الجمر لاستطلاع الخبر، فلما دخلوا قالت: «قل ما وراءك يا صالح؛ لقد شغلت بالي!»
قال: «إن الذي ستسمعينه أعظم من ذلك؛ إذ لا ينبغي لنا أن نبيت هنا؛ ولذلك اسمحي لي أن آمر بإعداد الخيول من مرابط والدك للسفر بأسرع ما يمكن.»
قالت: «افعل.» وهو يعرف مرابط الخيل فأيقظ الخدم وأمرهم أن يعدوا ثلاثة من جياد الخيل السهلة القياد، وعاد إلى القاعة وجلنار وريحانة في انتظاره على مثل الجمر، فلما دخل جلس جاثيا وقال: «اعلمي يا مولاتي أني لما رجعت لإحضار ريحانة مررت بدار الإمارة، فرأيت الناس في هرج ومرج، ثم علمت أن أبا مسلم علم بفرارك فأمر بالبحث عنك في غرف الدار وما يجاورها، وأنهم إذ لم يجدوك بعثوا من يأمر بوابي المدينة بمنع الناس من المرور إلا من عرفوه أو أتاهم بجواز، فهرولت مسرعا إلى قصر صاحبكم الدهقان وناديت ريحانة، وأتيت بها من طرق خفية حتى وصلت إلى الخان، فتنحنحت حتى تشعري بمجيئي، ثم أمرت صاحب الخان بإسراج الأفراس وذهبت لإحضارك، فركبنا وجئنا إلى هنا كما ترين.»
فأعجبت بدهائه وغيرته وقالت: «وما هو الباعث على سرعة خروجنا من هذا القصر؟»
قال: «السبب - يا سيدتي - أن أبا مسلم سيبعث في صباح الغد من يستولي على هذا القصر ومن فيه، وقد سمعته يقول ذلك وهو يهدد المرحوم والدك بالقتل، وخصوصا بعد أن يعلم بفرارك ولا يجدك بمرو؛ فلا بد أن يبحث عنك في هذا القصر. وهل في وسعك الوقوف في وجهه وهو صاحب السلطان، وليس في قلبه شفقة ولا حنان؟»
فزادت مصيبتها بذلك الخبر ضخامة؛ لأنها كانت تظن نفسها إذا يئست من الدنيا أوت إلى بيت أبيها، فتقيم فيه وتعيش كما يعيش الملوك، وتتناسى مقتل والدها بالزواج من أحد الدهاقين، فلما سمعت كلام صالح غصت بريقها، ولم تتمالك عن البكاء وقالت: «ألا يكفي هذا الظالم قتل والدي وخيانة عهدي حتى يضع يده على أموالنا وضياعنا؟!»
قالت ذلك واستغرقت في البكاء، وشاركتها ريحانة في ذلك، فقال صالح: «إن البكاء لا ينفعنا - يا مولاتي - بل هو يزيد المصيبة ضخامة، وليست هذه الحطام مما يطمع فيه بعد ذهاب صاحبها. دعي أبا مسلم يفعل ما يريد. سينال جزاءه، بإذن الله؛ سوف ننتقم منه انتقاما ينسيك كل هذا العذاب.»
فلما سمعت الوعد بالانتقام ارتاحت نفسها إليها - ولا يشفي قلب الموتور إلا الانتقام - وقد سرها أن صالحا بدأ يذكر الانتقام ووعدها به فقالت: «أتنتقم لي منه؟»
अज्ञात पृष्ठ