فأجفلت وتراجعت وقالت: «ماذا تعني لا سبيل إلى إبقائه على قيد الحياة؟ هل قتلته؟»
قال: «نعم.»
فصاحت : «قتلته. لا لم تقتله؛ لأنك أجلت النظر في أمره إلى الغد. بالله ألا رثيت لحالي؟ ألا أشفقت على شبابي وأبقيت على والدي؟ أنا مسكينة.» وأغرقت في البكاء حتى كاد يغمى عليها.
ولم يكن ذلك ليغير شيئا من قلب ذلك الرجل الشديد، ولم يجبها على بكائها إلا بقوله: «قلت لك أنه قد سبق السيف العذل، وإذا كنت لا تصدقين فإنني أريك أباك رأي العين.» ثم صفق فدخل غلام فقال له: «ائتني بالدهقان.»
فلما سمعته يقول ذلك انتعشت آمالها، وتوهمت أنه لا يزال حيا فتابعت الغلام بنظرها، فرأته دخل دهليزا في جانب القاعة ثم عاد وفي يده وعاء كبير فوقه غطاء، وتقدم به حتى وضعه بين يديها، وكشف الغطاء فرأت رأس أبيها في قاع الوعاء وقد جمد الدم حوله، وتلطخت لحيته وشاربه، واشتبك شعر رأسه وتلوث بالدم، وعيناه لا تزالان مفتوحتين. واتفق اتجاههما نحوها كأنهما تنظران إليها. فلما وقع نظرها عليه لم تتمالك أن صاحت: «وا والداه!» والتفتت إلى أبي مسلم وقد غاب رشدها ولم تعد تفقه ما تقول، ولطمت خديها وصاحت: «قتلته يا ظالم. ويلاه والداه!» وأخذت في البكاء حتى دوت القاعة بصوت نواحها.
فقال لها أبو مسلم: «اسكتي أو أرسلك إلى خوارزم حالا.»
فأدركت أنه يهددها بالقتل، ولكنها لم تكن تبالي بالموت لفرط حزنها فقالت: «أرسلني إلى حيث شئت. لم يبق للحياة عندي قيمة بعد خيانة حبيبي وقتل والدي.» وعادت إلى البكاء بصوت عال.
فصاح أبو مسلم بالحاجب فجاءه، فقال: «خذ هذه الفتاة إلى سجن النساء. ولولا خوفي أن يقال أني قتلت امرأة لقتلتها.»
الفصل الثاني والخمسون
الفرار
अज्ञात पृष्ठ