وكان أبو مسلم متكئا على وسادة، فلما أقبلت جلنار جلس وقد ارتدى الجبة السوداء والعمامة السوداء وقال باللغة العربية: «أهلا بالدهقانة.»
فأجابته بالفارسية: «لست دهقانة، وإنما أنا جاريتك.»
فأشار إليها أن تجلس، فجلست على وسادة بين يديه وقد أحست بالخلوة المطلقة مع رجل تحبه، وتعتقد أنه يحبها، فغلب عليها الحياء تمازجه رعشة الحب، ثم تذكرت والدها وأنها أتت من أجله، فلبثت تنتظر ما يقوله أبو مسلم، فقال لها بالفارسية: «أراكم لا تحبون من الفرس إلا لغتهم، وأما فيما خلا ذلك فأنتم عرب!»
فأدركت أنه يعرض بالسبب الذي حكم على والدها من أجله، فرفعت بصرها إليه فلم تستطع التفرس في وجهه، وأحست كأن سهاما تنطلق من عينيه إلى عينيها، وكأن نورا باهرا يسطع من حدقتيه فيبهر الناظر إليهما، فقالت وهي تنظر في البساط: «وكيف نكون عربا وقد بذلنا النفس والنفيس في سبيل الفرس؟! على أننا لو أردنا أن نكون عربا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا!»
قال: «وأنت أيضا تتعمدين خداعي؟»
فلما سمعت ما في كلامه من الجفاء رأت غير ما غرسه الضحاك في ذهنها من حبه لها، على أنها حملت ذلك منه على شدة غضبه من والدها، فقالت: «حاشا لله أن أخادعك، وما أنت ممن يخدعون؛ لأنك تخترق أعماق القلوب بعينيك، وتكشف غوامض الأسرار بذكائك، فكيف تتجرأ فتاة حقيرة مثلي على خداعك؟! ولكنني أقول لك الواقع.»
فقطع أبو مسلم كلامها وقال: «الواقع أن أباك قد خدعنا، فأظهر التقرب منا والنصرة لنا، على حين أنه كان يخابر ابن الكرماني؛ ليصاهره، وقد زف ابنته إليه. هل تنكرين ذلك؟»
فلم تستطع جلنار ردا على هذا القول، فرأت أن تأتيه من باب العطف بالحب فقالت: «لا ريب أن والدي ارتكب خطأ كبيرا بزفافي إلى ذلك العربي، ولو علم ما في قلبي (قالت ذلك وتنهدت) لما رضي به، ومع ذلك فإن ذلك العربي المسكين لم ينل من آماله غير الفشل.»
فقال: «يكفي أن أباك خادعنا وأوجب الشك، فحل لنا قتله عملا بوصية الإمام صاحب هذه الدعوة.»
فصاحت: «العفو يا مولاي. اعف عن والدي وإن كان ذنبه كبيرا، اعف عنه؛ لأن تلك المصاهرة كانت سببا في تعجيل أمر العرب بمقتل أميرهم، وهب أن والدي فعل ذلك رغبة عن أبي مسلم، فإن في هذا القلب (وأشارت إلى صدرها) من الحب له ما لو تفرق في عشيرة لكان كل منهم عاشقا.» وشعرت بعد الفراغ من قولها أنها تسرعت، ولكنها لم تستطع صبرا وقد أرادت أن تستطلع ما في قلبه ليطمئن بالها.»
अज्ञात पृष्ठ