التصريح لمصر بإلغاء الحماية وإعلان الاستقلال التام
وكذلك في غرة شهر مارس سنة 1922 خطت مصر أفسح خطوة وأيمنها نحو غايتها المقصودة، وأمنيتها المنشودة، فصدعت عن نفسها أغلال الاستبداد الأجنبي، وتخلصت من ربقة الحكم البريطاني، ووضعت قدمها على قارعة طريق النجاة والسلامة، وبرزت من ظلمة سجن العبودية إلى فضاء الاستقلال الطلق الرحيب، وإلى جوه المشرق المستنير، وتنسمت أولى نسمات الحرية، تلك النسمات الغضة المنعشة التي هي غذاء الأنفس ومادة الأرواح وحياة الحياة؛ إذ كانت هي الشرط الأول لنهضة الأمم من وهدة التقهقر والانحطاط، والحجر الأساسي لبناء صرح المجد والعلاء، وكانت مفتاح باب النعمة والثراء والرغد والرخاء، وسلم الرقي إلى أسمى درجات المدنية والحضارة والحياة السامية النبيلة.
أعلنت إنكلترا في «التصريح لمصر » إلغاء الحماية والاعتراف بالاستقلال التام، وأن يكون لمصر برلمان يمثل الأمة تمثيلا صحيحا، وحكومة مسئولة أمام الأمة ممثلة في برلمانها، وأن تتولى مصر بنفسها - دون أدنى تداخل من الدولة الإنكليزية - أمر تأسيس البرلمان وسائر مهمات الحكم والإدارة في بلادها، وأن يحصر الخلاف بين الأمتين في أربع نقط، وهي: (1)
حماية المواصلات البريطانية داخل حدود القطر المصري. (2)
حماية الأقليات والأجانب. (3)
الدفاع عن مصر ضد كل اعتداء أجنبي. (4)
مسألة السودان.
فهذه المسائل الأربعة ينظر في تسويتها وحلها بواسطة مفاوضات مستقبلة تدور بين الحكومة الإنكليزية، وبين البرلمان المصري الذي يكون هو وحده صاحب الحق في تحديد موعد هذه المفاوضات، والشروع فيها حسب ميله ومشيئته الحرة المطلقة، وفي مقابل هذه الفوائد الجمة والغنائم العظيمة التي استخلصها عبد الخالق ثروت باشا لمصلحة بلاده من يد الخصم الألد المعاند، لم يبذل دولة الرئيس الأجل لذلك الخصم أدنى ثمن في صورة شرط أو تعهد أو قيد، بل احتاز للوطن هذه الثمرات المباركة غنما بلا غرم، وطعمة سائغة هنية، وعربونا لما سوف تستوفيه مصر على يد برلمانها في المفاوضات المقبلة من موفور الحقوق ومستكمل المطالب.
كل ذلك نالته مصر بمعونة الله العلي الأكبر جل شأنه، وبهمة ملكها المعظم وفضل مساعيه الجليلة، ومجهوداته العظيمة محتذيا في ذلك حذو آبائه الأقيال الأماجد، وأجداده الصيد الصناديد، جاريا على سننهم الأغر الأوضح ومنهاجهم الأنبل الأشرف، متبدرا غاية من المجد والسناء تقع من دونها سابحات الآمال وطامحات الأماني، وتنحسر عن شأوها المديد أحث مطايا الحمد وأوحى سوابق الثناء والشكر، أدام الله سلطانه، ودعم بالعز بنيانه، ووطد بالعدل أسسه وأركانه، وأيد بالفتح المبين صولجانه، وأفسح في بحبوحة النعيم أرجاءه، وأخفق في رياح النصر لواءه، وجعل عهده الميمون مراد خصب عميم، ومرتع عز مقيم، وفاتحة خير للبلاد لا تجف على الزمان أخلافه، ولا يجمد على الحقب والأجيال هطاله ووكافه، إنه سميع النداء مجيب الدعاء.
نالت مصر كل هذه الفوائد والغنائم بفضل الله عز وجل، وبفضل ملكها المعظم - أدام الله عزه وخلد ملكه - وبفضل الوزير الأجل عبد الخالق ثروت باشا الذي رد إلى البلاد - بفضل حكمته وحزمه ومثابرته وجهاده - أوفر قسط من حقوقها المسلوبة - (وأنه على استرداد الباقي لمعتزم دءوب) - والذي محا ما كان أصاب كرامة الأوطان من وصمة «المذكرة الإيضاحية»، وأسى ما كانت أحدثته في أديم تلك الكرامة من ندوب وجراح، دون أن يقيد البلاد بإعطاء أدنى مقابل من شرط أو تعهد.
अज्ञात पृष्ठ