أيها السيد الرئيس، لقد سمعنا جميعا نبأ ذلك الحيوان الذي ظل حائرا بين حزمتين من العلف وهو يموت جوعا، ولكن شيئا من ذلك لن يحدث للجنرال كاس، فاجعل بين الحزمتين ألف ميل فستجد لديه ما يأكله في سبيله إليهما، ثم إنه يأكلهما غير مبطئ، ولقد يصيب في الطريق بعض الحشائش الخضراء فوق ذلك، ألا فلتجعلوه رئيسا بكل ما في وسعكم، فإنه سوف يوفر لكم طعامكم إذا ... إذا بقي شيء بعد أن يأكل!»
ولقد علت ضحكات أعضاء المجلس، واتجه أبراهام إلى مقعده بعد أن أتم خطابه والأنظار جميعا تتجه إليه، وما في الرجال من استطاع أن يملك نفسه من فرط الضحك، الخصوم والأنصار في ذلك سواء.
ولما انتهى دور الانعقاد هذا، طوف لنكولن في بعض الجهات الشرقية: مثل نيويورك ونيو إنجلند، والغربية: مثل مقاطعة إلينوى؛ يستأنف الدعوة في حماية لمرشح الهوج تيلور. وكان الديمقراطيون كما ذكرنا يحاولون أن ينسبوا إلى مرشحهم كاس من البطولة الحربية مثلما ينسب الهوج إلى تيلور، والحق أن الحزبين كانا يتمسحان في المجد الحربي منذ أن رأوا أثره في شهرة الرئيس جاكسون من قبل.
ولكن ثمة حزب ثالث؛ وهو شعبة من الديمقراطيين جعلوا مقاومة انتشار الرق همهم الأول، وسموا أنفسهم حزب «الأرض الحرة»، ومن مبادئهم ألا يسمح بالرق في أرض غير التي وجد فيها الرقيق من قبل، وأن يسمح لكل فرد أن يعبر تعبيرا حرا عن آرائه بصدد الرقيق، وكان بينهم أناس ذوو خطر ومكانة وكانوا يرشحون فان بيرن للرياسة.
وكان على أبراهام أن يدعو لتيلور ضد الفريقين المتنافسين، وكان يستشعر الحرج تلقاء أنصار فان بيرن؛ لأن دعوتهم ضد الرق كانت مما يتصل بنفسه بأقوى الأسباب.
وأخذ لنكولن يجوب البلاد؛ فكان إذا قام في جماعة لم يروه من قبل جذب إليه الأنظار بطول قامته وغرابة ملامحه، فإذا أطلق العنان لكلامه سرت في الجموع منه روح عجيبة لا يدرون كنهها وإن أدركوا فعلها، ورأوا عينيه تلتمعان حتى ما يعرف الناس أنهم رأوا مثلهما قط، وأبصروا في ملامحه معاني أبلغ من كل كلام وأعمق أثرا من كل حجة، والخطيب ينتقل بهم من مثل إلى مثل، ومن قصة إلى قصة، ثم إذا به يرسل النكتة البارعة بين حين وحين فإذا هم يضحكون ملء نفوسهم، وهو في حماسته يشمر ردني حلته ويفعل مثل ذلك بقميصه، ولقد يحل رباط عنقه أو ينتزعه من موضعه كأنه مقبل على مبارزة، ولا يكاد يفرغ من خطابه حتى يهرع الناس إليه متدافعين بالمناكب لكي يزدادوا نظرا إليه من كثب.
ولقد كان انقسام الديمقراطيين على أنفسهم من عوامل نجاح الهوج؛ فإن ما ناله فان بيرن من الأصوات كان كفيلا أن يضمن النجاح للمرشح الديمقراطي كاس لو أضيف إلى ما حصل عليه، ولقد فرح الهوج بانتصارهم فرحا عظيما، وفرح لنكولن وارتاح إلى أن جهوده لم تذهب عبثا كما ذهبت من قبل في الدعوة لهنري كليي.
ولكن فرحه بالنجاح لم يصرفه عن هاجس يشبه الندم في قرارة نفسه؛ فإنه يذكر أنه وجه جهوده لنصرة الهوج كما ينبغي أن يفعل كل رجل يهتم بنجاح حزبه وأغضى مؤقتا عن الكلام في مسألة الرق، بل إنه نشط في صرف فريق من متحمسي الهوج ضد الرق عن مشايعة أنصار الحزب الجديد في انتخاب فان بيرن، ذاكرا لهم أن الهوج يكرهون الرق كما يكره هؤلاء، ولكن المسألة في ذلك الوقت مسألة المعركة الانتخابية أولا. على أنه يذكر كذلك أنه حين استمع إلى تلك الخطبة القوية التي ألقاها أحد كبار الداعين إلى التحرير في بوستن ضد الرقيق، وهو سيوارد، لم يخف رأيه بل قال للخطيب: «أعلن أنك محق، لقد آن أن نطرق معضلة الرق، وأن نلقي إليها من اهتمامنا بأكثر مما كنا نفعل من قبل.»
وفي أثناء عودته إلى وشنطون ليحضر الانعقاد الثاني للكونجرس، أيد بكل قوته دعوة أخرى شهيرة قام بها داعية آخر من أشد دعاة التحرير؛ هو ولمت الذي أخذ ينادي بوجوب منع انتشار الرق في الأراضي التي تستخلص من المكسيك.
وأيد لنكولن دعوة ثالثة جاءت على يد رجل من ديمقراطيي الشمال في المجلس النيابي؛ إذ تقدم بطلب منع الرق في كليفورنيا ومكسيكو الجديدة، وهي أرض انتزعت من المكسيك، وقد تحمس لنكولن لرأي هذا الداعية الديمقراطي كما تحمس له الهوج الشماليون.
अज्ञात पृष्ठ