Shugabannin Gyara a Zamanin Zamani
زعماء الإصلاح في العصر الحديث
Nau'ikan
جمال الدين في الخاصة وسؤدد النديم في العامة.
وعجيب أن يقبل «نديم» (وظيفة) مفتش للمطبوعات وهو الذي ينال الأذى دائما من إدارة المطبوعات، وأن يرضى أن يتحكم في الصحف، وهو الذي كان يأبى أن يتحكم فيه أحد، وأن يكون أداة لتقييد الحرية، بعد أن كان داعية لتأييد الحرية!! ولكن يخفف من هذا أن «الوظيفة» كانت صورية محضة، وكان الغرض منها أن يمنح المكافأة في مظهر غير وضيع.
ها هو ذا في الآستانة قد عطلت كل مواهبه، فلا خطابة ولا كتابة، ولا تهييج ولا تحميس، وهو في وسط يكاد يختنق منه، ولا يفرج عنه إلا مجلس السيد جمال الدين، يحادثه ويسامره، وكل يشكو إلى صاحبه قفصه.
ولكن أنى لصاحب هذا اللسان أن يهدأ؟
لقد وقع الخصومة مع أبي الهدي الصيادي كما وقع فيها معه السيد جمال الدين، ولكن السيد عف اللسان في الخصومة الشخصية، أما «النديم» فويل لمن عاداه.
كان أبو الهدي عجبا من العجب، إذا أرخت الدولة العثمانية في عهد عبد الحميد احتل كثيرا من صفحات تاريخها، وكان مستترا وراء الصفحات الباقية، يرن اسمه في كل أنحاء المملكة من مصر وسورية والعراق وتونس والجزائر، ويتقرب إليه الولاة في حل كل عظيمة - أثبت به القدر أنه على كل شيء قدير.
سوري من حلب، فقير المال والحسب، دفعته المقادير إلى الآستانة، وكان ماهرا ذكيا وسيم المحيا، ماضي العزيمة، قادرا على معرفة نفوس الناس ومن أن تؤتي، فتغلب على عقل السلطان عبد الحميد بأحلامه وتفسيراته، والطرق ومشيختها، فربط نسبه بأعلى نسب، فهو قرشي هاشمي علوي، وهو في الطريقة رفاعي له الأتباع الكثيرون، لا يعبأ بالمال يأتيه على كثرته فينفقه ويستدين، لأن عز الجاه والسلطة عنده أقوى من عز المال.
له أعين تأتي له بكل الأخبار، فيستغلها أمهر استغلال. لم يقف عند الدين والولاية والصوفية، بل مد نفوذه إلى الشئون السياسية والإدارية والعسكرية؛ يحلم فلا حد لحلمه، ويبطش فلا حد لبطشه سمي «مستشار الملك» و«حامي العثمانيين» و«سيد العرب»، استمال كثيرا من الأمراء والوجهاء والأعيان والعلماء والأدباء فكانوا عونا له على كل ما أراد؛ يبطش بهم حين يريد البطش، ويؤلف بهم الكتب حين يريد شهرة العلم، وينظم بهم القصائد حين يريد الأدب والشعر، إلى كرم وسماحة وحسن حديث.
الدنيا كلها يجب أن تسخر لشخصه، وأن تخضع لأمره، الحق ما أتى من طريقه، والباطل ما أتى من طريق غيره - عدو كل سلاح، وخصيم كل حر. كم له من ضحايا في السجون، وفي أعماق البحار، وفي ذل الفقر، وفي بؤس المنفى. تتملقه الأمراء، وتهابه العظماء.
وكم أنفذ أمره وأبطل أمر السلطان، وكم تدلل على عبد الحميد فاسترضاه، وبالغ في الطلب فأوفاه!!
Shafi da ba'a sani ba