وإنما فصلت هذه الآية ب «لا يعلمون» والتي قبلها ب «لا يشعرون» لأنه أكثر طباقا لذكر السفه ، فإن الفساد يدرك بالحس فناسب «لا يشعرون» ، أي : لا يحسون ، وإن خفة العقل والرأي يدرك بالعقل فناسبت «لا يعلمون». ولأن الوقوف على أمر الدين والتمييز بين الحق والباطل مما يفتقر إلى نظر وتفكر ، وأما النفاق وما فيه من الفتن والفساد من التغاور والتحارب والتناحر فإنما يدرك بأدنى تفطن وتأمل فيما يشاهد من أقوالهم وأفعالهم ، فهو كالمحسوس والمشاهد ، ولأنه قد ذكر السفه فكان ذكر العلم معه أحسن.
ثم بين سبحانه ما كانوا يعاملون مع المؤمنين والكفار فقال : ( وإذا لقوا الذين آمنوا ) أي : صادفوهم ، من اللقاء بمعنى المصادفة ؛ يقال : لقيته ولاقيته إذا صادفته واستقبلته ، ومنه ألقيته : إذا طرحته ، فإنك بطرحه جعلته بحيث يلقى. ( قالوا آمنا ) كما آمنتم بالله ورسوله.
( وإذا خلوا إلى شياطينهم ) من : خلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه ، أو من خلاك ذم أي : عداك ومضى عنك ، ومنه : القرون الخالية. والمراد ب «شياطينهم» الذين ماثلوا الشيطان في تمردهم ، وهم المظهرون كفرهم ، وإضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر ، أو كبار المنافقين. والقائلون صغارهم. والنون عند سيبويه إما أصلية من : شطن ، إذا بعد ، فإنه بعيد عن الصلاح ، وإما زائدة من : شاط ، إذا بطل ، كما مر (1) في الاستعاذة.
والمعنى : إذا فارقوا المؤمنين وانفردوا مع رؤسائهم من الكفار أو المنافقين الذين أمروهم بالتكذيب أو مضوا إليهم ( قالوا إنا معكم ) أي : إنا مصاحبوكم وموافقوكم على دينكم. خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية ، والشياطين بالجملة الاسمية المؤكدة ب «إن» لأنهم قصدوا بالأولى دعوى إحداث الإيمان ، وبالثانية
Shafi 65