ونظيره : ( أليس ذلك بقادر ) (1)، و «إن» المقررة للنسبة ، وتعريف الخبر ، وتوسيط الفصل ، والاستدراك بقوله : ( ولكن لا يشعرون ).
( وإذا قيل لهم آمنوا ) هذا من تمام النصح والإرشاد ، فإن كمال الإيمان بمجموع الأمرين : الإعراض عما لا ينبغي ، وهو المراد بقوله : ( لا تفسدوا في الأرض )، والإتيان بما ينبغي ، وهو المعني بقوله : آمنوا. ( كما آمن الناس ) في حيز النصب على المصدر ، و «ما» مصدرية ، أي : آمنوا إيمانا كإيمان الناس. واللام للعهد ، أي : كإيمان أصحاب رسول الله ، وهم ناس معهودون ، أو عبد الله بن سلام وأضرابه ، أي : كما آمن أصحابكم وإخوانكم. أو للجنس ، فإن اسم الجنس كما يستعمل لمسماه مطلقا ، يستعمل لما يستجمع المعاني المقصودة منه والمخصوصة به ، ولذلك يسلب عن غيره فيقال : زيد ليس بإنسان. والمراد : الكاملون في الانسانية أي : المؤمنون ، كأنهم الناس على الحقيقة ، ومن عداهم كالبهائم في فقد التمييز بين الحق والباطل العاملون بقضية العقل.
وعلى التقادير : ( قالوا ) في جواب الناصح : ( أنؤمن كما آمن السفهاء ) الاستفهام للإنكار ، واللام مشار بها إلى الناس ، كما تقول لصاحبك : إن زيدا قد سعى بك ، فيقول : أو قد فعل السفيه؟ وإنما سفهوهم لاعتقاد فساد رأيهم ، أو لتحقير شأنهم ، فإن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال ، أو لعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر «الناس» بعبد الله بن سلام وأشياعه. والسفه خفة وضعف في الرأي يقتضيهما نقصان العقل ، والحلم يقابله.
فرد الله تعالى قولهم وجهلهم بقوله : ( ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ) فإن الجاهل بجهله على خلاف ما هو الواقع أعظم ضلالة وأتم جهالة من المعترف بجهله ، فإنه ربما يعذر وتنفعه الآيات والنذر.
Shafi 64