وأطلق الإيمان على معنى أنهم ليسوا من الإيمان في شيء.
وهم في هذا القول يزعمون أنهم ( يخادعون الله والذين آمنوا ). الخدع أن توهم صاحبك خلاف ما تخفيه من المكروه لتزله عما هو بصدده. وأصله الإخفاء ، ومنه : المخدع للخزانة. والمخادعة تكون بين اثنين. وخداعهم مع الله ليس على ظاهره ، لأنه لا يخفى عليه خافية ، ولأنهم لم يقصدوا خديعته ، بل المراد إما مخادعة رسول الله على حذف المضاف ، أو على أن معاملة الرسول معاملة الله من حيث إنه خليفته ، وهذا مثل أن يقال : قال الملك كذا ، وإنما القائل وزيره أو خاصته الذين قولهم قوله. ويؤيده قوله تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (1) ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (2). وإما أن صورة صنيعهم مع الله من إظهار الإيمان ، واستبطان الكفر ، وصنع الله معهم في إخفاء حالهم ، وإجراء أحكام الإسلام عليهم ، وهم عنده أخبث الكفار وأهل الدرك الأسفل من النار ، استدراجا لهم ، وامتثال الرسول والمؤمنين أمر الله في إخفاء حالهم ، وإجراء أحكام الإسلام عليهم ، مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين.
ويحتمل أن يراد ب «يخادعون» يخدعون ، لأنه بيان ل «يقول» ، إلا أنه أخرج في زنة «فاعل» للمبالغة ، فإن الزنة لما كانت للمغالبة ، والفعل متى غولب فيه فاعله كان أبلغ منه إذا جاء بلا مقابلة معارض ، استصحبت ذلك ، لأنه يزيد قوة الداعي دفعا لمعارضته. وللمبالغة المذكورة قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : ( وما يخدعون إلا أنفسهم ). وغيرهم يقرءون : يخدعون ، لأن المخادعة لا تتصور إلا بين اثنين.
وكان غرضهم في إظهار الإيمان مع كفر الباطن أن يدفعوا عن أنفسهم ما يتطرق بالكفرة من النوائب الصادرة عن المسلمين ، وأن يفعل بهم ما يفعل بالمؤمنين
Shafi 60