ولقد أفسد بابك الخرمى فى الولايات فسادا كثيرا، وانحرف بالناس عن جادة الصواب، وكان مقامه فى الجبال الضيقة المظلمة والأماكن الباردة، وحينما ذهب الجند إلى هناك لم يستطيعوا مقاومة أتباع بابك، لوعورة المسالك وبرودة الهواء وفساد كل شى ء، فتحملوا فساد بابك ومساوئه اثنين وعشرين عاما، وأرسل المعتصم محمد بن حميد الطوسى فهزم وذهب عبد الله بن طاهر أيضا، وحينما أتى أمر خراسان إليه اختار خراسان على حرب بابك وأرسل إبراهيم بن الليث أيضا فهزم، ثم أرسل الأفشين، وكان قائدا عظيما من أسروشنه فى ولاية ما وراء النهر، وهناك يسمون ملكهم" أفشين" وكان اسمه خيذر بن كاوس، وذهب الأفشين مع أخيه فضل وقريبه ديوداد بن زردشت ورفاقهم، وأرسل بابك عصمت بن أبى سعيد مع ثلاثة آلاف رجل لملاقاة الأفشين، وأقام محمد بن المغيرة وليمة فى حصنه لعصمت مع عشرة من القادة، وقتلهم جميعا، وأمر عصمت أن يصعد فوق الحصن وقال: ناد القواد الآخرين، وإلا سوف أقتلك. فنادى على مائة من ضباط الجيش وقواده، فجاءوا إلى الحصن، ودخلوا واحدا واحدا منفردين، فكانوا يقتلونهم، حتى قضوا عليهم جميعا، وأرسل عصمت بالمائة رأس إلى الأفشين، فأرسلها الأفشين إلى المعتصم، ومكث الأفشين سبعة أشهر فى سردره 33.
ولم يستطع أن يدخل فى تلك المضايق وكان الهواء قارسا. وتضجر الأفشين، فتحايل، وكتب رسالة، وطلب الأموال من المعتصم فأرسل المعتصم مع بوغا مائة خروار 34 من الدراهم.
وأرسل الأفشين شخصا إلى بابك، وأمره أن ينزل على بعد ثلاثة منازل، أما هو فذهب عن طريق سردره، وأمر أن يأتوا بذلك المال فحولوه ليلا ونهارا بعد منزل، وعاد هو بدوابه إلى سردره، وكان بابك قد علم بمجيئ المال، ورحيل الأفشين، فقدم بابك إلى سردره بخمسة آلاف رجل، واشتبك فى القتال مع بوغا، وقدم الأفشين من الخلف وبذل الجهد، ففر بابك وقتل ألف رجل، ودخل الأفشين من سردره إلى تلك المضايق والوديان بخمسة عشر ألف رجل، وكان يذهب بحزم وقوة وأرسل فى المقدمة بوغا ومحمد بن المغيرة بخمسة آلاف رجل، أما هو فكان يسير بخمسة آلاف وعبأ خمسة أخرى، وسيرهم أفواجا أفواجا على قمم الجبال، وعلم بابك بذلك، فخرج بألفين من الرجال وباغتهم ليلا، وضرب فوجا وهزمه، وذهب الأفشين إلى أردبيل.
Shafi 135