الباب الأول
طهمورث بن إينكهد
حينما جلس طهمورث 1 بن أينكهد بن إسكهد بن هوشنگك على عرش السلطنة كانت للشياطين القوة والغلبة على بنى الإنسان، فحاربهم ومنع أذاهم فضاق الأمر عليهم، وكان يقتل كل من يقبض عليه منهم، ويسومهم الخسف والعذاب، حتى قدموا إليه وقالوا له: إلى متى ستعذبنا؟ فقال: حتى ينطق الوتر الأصم؛ وتثمر الأشجار ثياب الملوك؛ وأمسك الريح فى قبضتى؛ وآكل طعاما لذيذا لم تزرعه بقرة، ولم تنضجه نار. فصنع الشياطين طنبورا وقالوا: هذا هو الخشب والوتر الذى ينطق، وأتوا بدود قز نسج الحرير على الشجر، وعالجوا إخراج الحرير من شرانقه، وغزلوه، وقالوا: وتلك هى الشجرة التى أثمرت لباس الملوك. وهيأوا عسل النحل، وقالوا: وهذا هو الطعام الشهى اللذيذ الذى أتى دون مشقة بقرة ودون أن تنضجه نار. ولقد قام بهذه الأعمال ثلاثة من الشياطين: اسم أحدهم هشتم؛ والآخر أداورا؛ والثالث اسمه ونتو، وقد بنى طهمورث قهندر 2 ومرو 3 وكانت وفاته فى إيرانشهر 4.
جمشيد بن ويونكهان
حينما جلس على عرش السلطنة حارب الشياطين، وقصر أيديهم عن بنى الإنسان، وقذف بهم بعيدا عن العمران، فسكنوا البحار والخرائب والصحارى، وكلفهم بعمل الصعاب من الأمور التى لا يستطيع القيام بها بنو الإنسان؛ فألقى بحجر طاحونة على رقبة شيطان وجلس عليها وحمله فى الهواء، ودعا الله عز وجل أن يرفع الحر والبرد والمرض والموت عن بنى الإنسان، فاستجاب الله دعاءه؛ لحسن سيرته، ورفع هذه الآفات 5.
Shafi 47
وظل على هذه الحال ثلاثمائة عام 6. وحينما استجاب الله دعاءه أقام عيد النوروز شكرا له.
وقد أمر الشياطين فحفروا المناجم واستخرجوا الجواهر، وغاصوا فى البحار فأتوا بالدر واللآلئ، وعلموا الناس هذا العمل، كما أمر بصباغة الملابس.
وحينما رأى الشياطين ما حل بهم من آلام تضرعوا إلى إبليس، الذى جعل من نفسه ناصحا لجمشيد، ويقولون: إنه أظهر نفسه له بصورة ملاك، وقال له: لقد أرسلت إليك من السماء، (وإن أهلها) يقولون: لقد أقمت أمور الأرض، فتعال الآن إلى السماء، وأقم أمورها؛ لأنها مختلة. فخدع جمشيد بذلك، ودعا الناس (إلى عبادته )، ولم يستطع أحد قط أن يمنعه؛ لعظمته ومهابته فزالت نعمته بكفره 7. وخرج (عليه) ابن أخته الضحاك، الذى كان يدعى بيوراسب، واستولى على ملكه، وهزمه، حتى هرب ودخل أرض بابل متنكرا، وظل الضحاك يبحث عنه حتى وجده بعد مائة عام فمزقه بمنشار كبير.
وقد قسم جمشيد الناس إلى أربعة أقسام، من جملة هذا: الطبقة الأولى العلماء؛ والثانية المبارزون والجند؛ والثالثة الكتاب والأطباء والمنجمون؛ والرابعة المزارعون والتجار والحرفيون 8. وبنى مدينة بابل وإصطخر وفارس وهمدان وطوس.
الضحاك 9
اسمه بيوراسب، وهو ابن أروانداسپ بن زبنكاو بن وبريشيد بن باركى، أبو العرب بن فروال بن سيامك، وكانوا يسمونه: أرونداسب، ملك العرب. وكانت أمه دع بنت وينكهان. ويقول بعض النسابين: هو الضحاك بن قيس بن علوان الحميرى.
ظهرت على كتفيه حيتان، ويقول البعض: لحمتان 10، وكان يقتل كل يوم رجلين ويعطى دماغهما لهاتين الحيتين. ويقولون: كان يضعهما على اللحمتين حتى تسكنا وتهدئا.
Shafi 48
استولى على الملك من جمشيد وقتله، وفى عهده انتشر السحر والفسق والفجور، وقرب إليه الشياطين والأشقياء، وكان يعاقب الناس بأن يضعهم فى القدور ويطبخهم، وحينما استشرى فساده، وضج الناس جميعا منه، وقتل كثيرا من الناس من أجل الحيتين قدم إليه رجل اسمه كاوه، يعمل بالحدادة وقال له: لقد قبضوا على ولدى ليقتلوهما من أجل حيتيك، فأمر الضحاك فأطلقوا سراحهما. وحينما خرج كاوه من عند الضحاك، قدموا دفترا يقرظون فيه الضحاك، وقالوا لكاوه: لقد سلك الضحاك فى عهده مع الرعية مسلكا كريما وعدل بينهم، وقد حرر جميع سادة إيران رسائلهم فحرر أنت أيضا رسالتك؛ لأنك أحد سادة إيران، فأخذ كاوه ذلك الدفتر ومزقه، وألقى به تحت الأقدام، وقال: أيها الناس هل عميت أبصاركم؟! وخرج ووضع الجلدة التى يلبسها الحدادون على رأس خشبة، وصاح: ليتبعنى كل من يريد أن يبحث عن أفريدون، فتبعه خلق كثير، واتجهوا إلى جبل البرز، وذهبوا إلى أفريدون، وسلموا عليه بالملك، فكرم كاوه، وأطلق على تلك الجلدة الدرفش الكاويانى، وأمر ففتحوا أبواب الخزائن، ومنح هؤلاء القوم أموالا كثيرة، وطرزت الدرفش بالدر والجواهر الثمينة ، وقد عظم ملوك العجم تلك الدرفش تعظيما شديدا، وكانوا يعودون مظفرين من كل مكان يذهبون إليه تحت لوائها وقد أضاف كل واحد عليها شيئا من الدر الثمين، حتى كان زمان عمر بن الخطاب فحاربوا فى صحراء القادسية ولحقت الهزيمة بالعجم، واستولى (المسلمون) على تلك الدرفش، ونزعوا منها الجواهر، وجعلوها كأن لم تكن شيئا. وبنى الضحاك مدينة بابل فى عصر جمشيد بأمره.
أفريدون بن أثفيان 11
Shafi 49
وحينما خرج كاوه على الضحاك؛ يقول المغان 12: إن الله سبحانه وتعالى بعث الوحى إلى أفريدون على لسان ملاك اسمه نيروسنگك ليتحد مع كاوه ويقبض على الضحاك ويقيده، ويحمله إلى جبل دباوند 13، ويسجنه فى جب هناك. ثم ذهب أفريدون مع كاوه، واجتمع حوله الجند من كل مكان، فحسده إخوته، وتحينوا الفرصة حتى يقتلوه، وحينما نزل أفريدون وأتباعه على جبل، صعد إخوة أفريدون إلى أعلى الجبل ودحرجوا حجرا كبيرا على أفريدون، وكان نائما، فاستيقظ حينما سقط الحجر بالقرب منه، وصاح بالحجر وقال: ينبغى أن يقف ذلك الحجر هناك، وتعجب إخوته وجميع الجند، وتيقنوا أن كل ما يفعله أفريدون إنما هو بتأييد من السماء.
ثم ذهب إلى منزل الضحاك ومدينته التى كانوا يسمونها كنگك دژ. وكان الضحاك قد صنع هناك الأسحار، وفعل أخوه من أنواعها سبعين نوعا؛ فصنع أشياء مثل الحيات والأسد والببر والنمر وما شابه ذلك؛ بحيث لا يستطيع أحد قط الدخول فى قصر الضحاك دون إذن منه.
ولما وصل أفريدون إلى بابل دخل كثير من رجال الضحاك فى طاعته فكثر جنده، ودخلوا قصر الضحاك (بعد أن) أبطلوا سحره بالتعاويذ الصادقة، ودخل أفريدون قصر الضحاك وجلس مكانه. وكان الضحاك قد ذهب إلى الهند، فقدم إليه الخازن وقص عليه ما كان من أمر أفريدون، فقال الضحاك: الأمر للضيف على المضيف.
فقال الخازن: أى ضيف جالس نساءك؟!!. فغضب الضحاك، وصاح على الخازن، وسحر نفسه باشقا وأتى إلى سطح القصر فرأى نساءه وأخوات جمشيد أرنواز وشهر ناز يجلسن مع أفريدون، فلم يطق صبرا، وألقى بنفسه من فوق سطح القصر، وتحول من تلك الصورة إلى صورته الحقيقية، فحمل أفريدون العمود المعروف" بگرز گاوسار" أى العمود الذى فى رأسه صورة ثور، وطلب القوة من الله تعالى، واستعان بالملائكة؛ وطلب الضحاك القوة من الشياطين. وأتت الملائكة ونصرت أفريدون، وأبطلوا سحر الضحاك، وقبض أفريدون على الضحاك، وقطع من جلده وترا، وشده وثاقا، وحمله إلى جبل دماوند.
وفى الطريق غلب النعاس على أفريدون فأمر بنداد بن فيروز أن يحرس الضحاك؛ لأن بنداد هذا كان معروفا بالشجاعة والجرأة. ونام أفريدون فقال الضحاك لبنداد: لو تطلق سراحى أعطيك نصف الملك، فسمعه أفريدون فشدد الوثاق عليه، وسموا ذلك المكان" نوبندگان". ثم حمله إلى دوماند، وقيده بالسلاسل الحديدية، ورماه فى بئر وهو مصفد بالأغلال والقيود، وأطلق على حراسه اسم دهاكان نكاهيد 14 أى حراس الضحاك.
Shafi 50
وبنى گرگان ودهستان، ووهب لحاكم كل منها إقطاعا، وأمر أن يجلس على عرش فضى، وكتب منشورا ليكون (الملك) له ولأبنائه من بعده حتى يوم القيامة، وبنى مدينة سمدان 15 فى اليمن، ويسمونها غمدان 16، وأحاط قصورها باثنى عشر سورا، وكانت هذه القصور فوق قمة جبل تصل ظلالها إلى ثمانية عشر ميلا.
وحينما استقام أمر الملك لأفريدون قضى حق كاوه، فوضع الدرفش فى خزائنه، وقد أجلها ملوك العجم وعظموها، وكانوا يحفظونها فى خزائنهم، حتى كان عهد عمر بن الخطاب، فأخذها المسلمون، ومزقوها، ونزعوا جواهرها.
وأمر أفريدون فدعا الناس الذين خلصهم أرماييل وزير الضحاك، وأنجاهم من الموت، وكانوا أكراد الجبل الغربى من دماوند، وشكر أرماييل على هذا العطف وهذه الشفقة.
وعلم أفريدون الناس علم الطلسم، وأتى بعلم الطب، وجعل يوم مهرروز 17 من مهرماه 18 عيدا، وهو اليوم الذى أمسك فيه الضحاك وأوثق قيوده، فسر الناس وابتهجوا، وجعل أفريدون ذلك اليوم عيدا.
وأسماه عيد المهرگان، وهو الذى أتى بالفيل من الغابات وسخره، كما أطلق الحمار على الحصان فولد البغل، وهو الذى أتى بالحمام والبط من المزارع إلى المدن.
وقسم الدنيا بين أبنائه: فولى إيرج بلاد فارس والعراق والعرب، وأطلق على هذه الولاية اسم إيرانشهر يعنى بلاد إيرج. وولى سلما بلاد الروم ومصر المغرب. وولى تور الصين والترك والتبت؛ ولهذا السبب يسمونها توران. ولكن تملك الحسد تور وسلم على إيرج؛ لأن والدهم منحه إيران، فتنازعا معه. وذات يوم كانوا يتناظرون، ولم يرد إيرج على كلامهما، فضربه تور بكرسى ذهبى على رأسه، ثم أعمل كلاهما السيف فيه وقتلاه، وحملا رأسه وأرسلاها إلى أفريدون، فبكى عليه طويلا حتى كف بصره، وأعقب إيرج ابنة أنجبت له ولدا أسموه منوچهر؛ لأن أفريدون حينما احتضنه أبصرت عيناه، وقال:" مناچهر" يعنى أنه يشبه صورتى 19.
وحينما مضى خمسمائة عام على ملك أفريدون، خرج منوچهر ليثأر لإيرج.
Shafi 51
وقد مات أفريدون فى مدينة بم من ولاية كرمان، وبنى فى السغد إيوانا، وكانوا يسمون السغد" هفت آشيان". وقد بنى فيها سبعة من الملوك: الأول جم، والثانى بيوراسب، والثالث أفريدون، والرابع منوچهر، والخامس كاوس، والسادس مهراسپ، والسابع گستاسپ. وكان منوچهر هو ابن حفيدة أفريدون وإيرج، وقد ولد فى جبال سوس 20، ويسمون هذا المكان باسيان 21.
وخرج من ذلك الجبل على رأس ثلاثين ألف رجل، وحارب كلا العمين، وثأر للجد فقتل العمين، فدعا له أفريدون وأثنى عليه، ووضع تاجه على رأسه ومات فى تلك اللحظة.
منوچهر حفيد إيرج بن أفريدون
وبعض النسابين العجم ينسبه على خلاف ذلك، ويذكرون أنه ولد فى جبل منوش بولاية خراسان. وقد خرج مع أهل بيته على رأس ثلاثين ألف رجل، وطلب الثأر لجده.
وفى عهده ظهر موسى عليه السلام، وحينما مضى على ملكه ستون عاما خرج موسى عليه السلام مع بنى إسرائيل من مصر (وغرق فرعون، الوليد بن مصعب) 22، فى النيل. وحينما مضت سبعون عاما على ملك منوچهر، خرج أفراسياب بن پوشونگك وحارب منوچهر، وحاصره فى جبال طبرستان، واستولى على ملكه؛ ثم استرده منه بعد اثنى عشر عاما، ووضع الحدود بين إيران وتوران. وفى عهده ظهر گرشاسب بطل إيران، وگرشاسب هذا كان جد سام بن نريمان وجد رستم. وقد عمر منوچهر البلاد، وشق من نهر الفرات قناة كبيرة، وأمر بحفر القنوات، وشجع الناس على الزراعة. وحينما استولى أفراسياب على إيران، بنى فى هذه الآونة مدينة پوشنگك 23.
Shafi 52
زوبن طهماسپ بن زوبن هوست بن راندينك بن منوچهر
حينما اعتلى سرير الملك حارب سران بن وتشكان، وطرده من إيران، واستدعى گرشاسب من گرگان، وذهب هو إلى زابلستان وهزم تلك الولاية، وامتد ملكه حتى الهندوستان. وظل الملك فى تلك الأسرة حتى عهد فرامرز بن دستان. وأقام سدا من أرمنية إلى دجلة، وشق نهيرا فى أرض السواد يسمونه نهر زاب، زرع عليه البساتين والغياض والرياض والضياع، وصنف الأطعمة أنواعا. وهو الذى بنى ما هدمه أفراسياب.
Shafi 53
الباب الثانى: الكيانيون
كيقباد بن دع بودكا بن مالشو بن نودر بن منوچهر الملك
حينما جلس كيقباد على العرش قسم مياه الترع، وشيد الأبنية، وأمر بالتعمير والبنيان، وأخذ العشر من الغلال، وأقام قصرا فى بلخ، وحارب أفراسياب وطرده من إيران، وزوجته هى: فرانك بنت دوسا الرومنه 1.
وقد ولد منها ابن أسماه كنيه، واختفى، ثم ولد له ابن آخر من امرأة أخرى أسماه كى رش، ثم ابن آخر أسماه كى يشين 2 وكان أرد شير بابك من نسل كى بازپين.
كيكاوس بن كيقباد
حينما اعتلى كيكاوس سرير الملك- ملك الأقاليم السبعة- ودانت له كل ملوك الأرض بالطاعة والولاء، سار سيرة حسنة، وعطف على الرعية، وسلك مسلكا طيبا، واستن سننا حميدة، وبنى ناحية المشرق مدينة أسماها كيكرد 3.
وبنى سبع مدن أخرى، وهو الذى بنى سمرقند، وأتمها سياوش. وذهب إلى مازندران، وحارب سمر بن عنتر 4 فمات أكثر جيش كيكاوس، وسحروه، وقبضوا عليه، وحبسوه فى بئر مع طوس بن توروگيو وبيژن أبناء گودرز كشوادگان 5.
Shafi 57
وأصيبت عيون حشم كيكاوس بالعمى، وحينما رأت سوداوه 6 بنت سمر كيكازس عرضت نفسها عليه (وقالت):" لو تقبلنى سأنجيك من هذه المحنة" فتقبلها كيكاوس، ووعد أن يأخذها معه حينما يرحل. وأتى خبرهم إلى رستم بن دستان فامتطى رستم مع اثنى عشر ألفا من الرجال المسلحين ظهور إبل البخت، ورحلوا عن سيستان، وقطعوا الفيافى والقفار، وقدموا إلى مازندران 7 التى يسمونها اليمن، وقصدوا تلك القلعة، وكان حراسها من السحرة فصنعوا السحر، فظهرت السحب، وصار هؤلاء المحبوسون كالعميان، لا يعرفون الليل من النهار؛ فأعمل رستم السيف، وقتل الكثير، واستولى على القلعة، وتحير فى أمر هؤلاء القوم الذين وجدهم عميا؛ فقالت سوداوه: ليسحقوا أكباد هؤلاء السحرة، ويضعوا دماءها فى عيونهم، ففعلوا ذلك؛ فأضيئت عيونهم، وعادوا إلى إيران. ومنح كيكاوس رستم ولاية سيستان والنيمروز وكابل وزابلستان ورخود 8، كما يكون له ما يستولى عليه من الهندوستان، وأعطاه المنشور والعهد على هذا النحو.
وكانت أمور كيكاوس تسير سيرا حسنا حتى أضله إبليس عن جادة الطريق، وأزمع قصد السماء، فصنع صندوقا، ونصحه وزراؤه وقادته فلم ينتصح.
وطار فى الهواء فى الصندوق، فسقط مهموما مغموما نادما على فعلته، ولبس خشن الثياب، ونام على خشن الفراش، ولم يضحك أبدا، ولم ينظر إلى السماء، ولم يأكل اللحم؛ وامتنع عن النساء، وبكى كثيرا على فعاله وندم عليها ندما شديدا، وكان ابنه سياوش عاقلا متأنيا ذكيا آية فى الجمال. وذات يوم راودته سوداوه عن نفسها فلم يجبها، فقالت سوداوه لكيكاوس: لقد راودنى سياوش عن نفسى، فأمر كيكاوس بقتل سياوش، فأضرموا نارا عظيمة؛ وألقى فيها سياوش، ولكنه خرج سالما، وعلى الرغم من ذلك فإن الغضب لم ينسل من قلب كيكاوس. وجاء الخبر إليه بمجى ء أفراسياب لحرب الإيرانيين، فأرسل سياوش لحربه بمشورة طوس نوذر، وحينما أتى سياوش إلى ساحة الوغى جنح أفراسياب للسلم وعقد الصلح مع سياوش، وانتهى بذلك الفساد.
وحينما سمع كيكاوس لام سياوش على ذلك وغضب عليه، فرحل سياوش غاضبا، ولجأ إلى أفراسياب، فاستقبله أفراسياب، وأكرم وفادته، وزوجه ابنته فرنگيس، ومنحه مائة فرسخ من ولايته.
وحينما استقام أمره حسده الترك على ذلك، وأشعل كرسيوز الفتنة بينه وبين أفراسياب حتى تغير قلب أفراسياب عليه، وظل كرسيوز يحرضه ويثير حفيظته ويوقع (الفتن) بينهما، حتى أحضر أفراسياب سياوش وأمر فقطعوا رقبته فى طست ذهبى، فلما وصل الخبر إلى إيران اضطربت الدنيا، وارتج قادة إيران، ودبت العداوة والبغضاء بين إيران وتوران، ولا تزال موجودة حتى الآن.
Shafi 58
" كيخسرو بن سياوش بن كيكاوس"
وهو من بنت أفراسياب، وكانت فرنگيس ابنة أفراسياب حاملا به حينما قتل سياوش، وولدت كيخسرو، وسلمته إلى پيران ويسه 9.
وحينما اشتد عوده، أراد أفراسياب أن يقتله، فدعاه إليه، فسلب الله عز وجل العقل والذكاء من كيخسرو فى تلك اللحظة، فكان يهذى بكلام دون تعقل أو روية، فقال أفراسياب: إن هذا لا يخشى منه أبدا، وتركه ولم يقتله.
وحينما أتى الخبر إلى كيكاوس أن له ابنا فى التركستان، أرسل گيو بن گودرز لطلبه، فأعمل الحيلة حتى أتى به من التركستان.
وحينما وصل كيخسرو إلى كيكاوس ألبسه التاج، وأجلسه على سرير الملك، وفى البداية قضى حق گيو وأكرمه.
وفى عهده بنى گيو مدينة باورد، وبنى مدينة طوس، وعضد رستم بن دستان، وقاد جيشا من إيران، وذهب إلى تركستان طالبا الثأر لوالده من أفراسياب فجرد الترك من ثيابهم وعذبهم، وأدرك أفراسياب بآذربيجان، وقتله.
وقد أدار رستم كل هذه المعارف فأعفاه كيخسرو من الخدمة جزاء وفاقا على تلك الأعمال التى أداها، ومنحه سيستان وكابل والهند والسند وزابل، وجعل كيخسرو كى لهراسب وليا لعهده، وقد كان من أرومته أيضا. وهو (كيخسرو) الذى بنى فيروز خره بالشام، وهذه المدينة وضع أساسها أفراسياب، وبناها كيخسرو، وأتمها الإسكندر.
وحينما استقامت كل هذه الأمور، وهدأ فؤاده من أفراسياب، كتب الوصايا إلى كى لهراسب، وركب ذات يوم، وذهب إلى الصحراء، وكان معه كل عظماء إيران، فضربوا الخيام، ونصبوا العرش الذهبى، واعتلى كيخسرو العرش، وجلس أمامه كل عظماء إيران ووجهاؤها وأعيانها. وقال لهم: سأذهب إلى الله تعالى، فقد تضرعت إلى الله سبعة أيام وليالى؛ وطلبت منه أن يرفعنى إليه قبل أن يضلنى الشيطان عن جادة الطريق.
Shafi 59
فقال أهل إيران: نحن لا نرضى بهذا، ولن نعيش بدونك، ثم جعل كى لهراسب وليا لعهده؛ وأعطى رستم منشور ولاية سيستان وغيرها، فلا يستطيع شخص قط أن يأخذها منه أو من أبنائه، وأعطى طوس الجيش ومفاتيح الكنوز، وأوصاه أن يعطى الفقراء والضعفاء واليتامى حقوقهم؛ وكتب له منشورا على هذا النحو، وأعطى طوس نودر قيادة جيوش إيران وعدة من مدن خراسان والدرفش الكاويانى، كما أعطاه أيضا قطيع الجياد، وأعطى رستم ثيابه وبساتينه، وأعطى سروج الدواب إلى (گيو گودرز)، وأعطى الخيام والقصور إلى بيژن، كذلك أعطاه ختمه وخاتمه، وأوصى كل شخص بكل نوع، ثم نهض؛ وذهب؛ ورافقه رستم وطوس (وگودز وگيو) وبيژن؛ فأعادهم، وذهب وحده؛ واختفى فى الصحراء.
كى لهراسب ابن كيوجى بن كى منش بن كيقباد
اقتعد الملك ودون الدواوين، واتخذ سريرا من ذهب، وعقد التاج المكلل بأنواع الجواهر الثمينة على رأسه، ودانت له ملوك الهند والروم والترك بالطاعة والولاء، وأرسل سنحاريب 10 إلى بيت المقدس، ولكنه لم يظلم أهلها كثيرا، وأعطى الملك فى حياته إلى ابنه كشتاسب.
كى گشتاسب بن كى لهراسب
حينما جلس على العرش ظهر فى زمانه زردشت بن بورشسب بن فيدراسب، وهو من أهل آذربيجان من مدينة موقان، وأتى بدين المغان وعبادة النيران، ولم يمض على ملك گشتاسب يومان حتى خرج زردشت وقبل ذلك كانوا يدينون بدين الصابئة.
Shafi 60
وحينما أتى بكتاب الأستا 11، وأمر بعبادة النار، وأجاز نكاح المحارم، وقبل گشتاسب دينه، وأمر فكتبوا الأستا على جلد البقر، وزينوها بالذهب، ووضعوها فى قلعة إصطخر فى خزائن ملوك العجم، وساند أسفنديار جده فى أمر دين زردشت، وبالغ فى نصرته وأكره كل من لم يقبله على الدخول فيه، وقتل كل من لم يمتثل للأمر، وبنى بيوت النار.
وظل زردشت بينهم خمسة وثلاثين عاما. وأخيرا قتله رجل يدعونه براتروكرش، وكان عمره سبعة وسبعين عاما، وحينما قتل زردشت ملك گشتاسب جاماسب (أجلس گشتاسب جاماسپ مكانه) وأسماه موبد الموابدة، وكان أول مؤيد للموابدة، وثبت إسفنديار بن گشتاسب على دين زردشت وبالغ فى ذلك.
وفى ذلك الوقت قدم أرجاسپ التركى من بلاد توران، وأدار رحى الحرب على باب بلخ؛ وقبض على كى لهراسپ الذى كان مشغولا بعبادة الله تعالى فى معبد آزخداه 12 فى بلخ، وقتله؛ وقطعه أربعة أجزاء، وعلقه على أبواب بلخ الأربعة، وسبى بنات گشتاسب أخوات إسفنديار وحملهن إلى التركستان.
وكان گشتاسب فى گرگان فى هذا الوقت، وحينما حضر كان الترك قد استولوا على خراسان، وكان گشتاسب قد حبس إسفنديار فى قلعة گنبدان 13 فأرسل من أطلق سراحه، وذهبا معا لحرب أرجاسپ الذى قفل بجيشه راجعا عن إيران، ودخل إسفنديار إلى التركستان عن طريق هفت خان؛ وجد واجتهد حتى فتح قلعة روئين 14.
Shafi 61
وقتل أرجاسپ، وأطلق سراح أختيه هماى وأوفيه 15، ورجع إلى إيران. وكان گشتاسب قد وعده إذا عاد مظفرا منصورا من التركستان أن يعطيه التاج والعرش، وأشهد بشوتن بن گشتاسب وجاماسپ على هذا، وحينما رجع إسفنديار لم يف گشتاسپ بذلك، وقال:" لقد لوى رستم العنان عن طاعة أمرنا فائتنى به طائعا مقيدا مصفدا حتى أعطيك التاج والعرش" وحينما وصل إسفنديار إلى نهر هيرمند 16 تقدم إليه رستم للخدمة وعظمه وسجد له، وقال: لقد حللت فى منزلك، وأنا عبد. وأعد مأدبة عظيمة قدمها إليه، فقال إسفنديار: أمرنى الملك إما أن تقبل الدين الجديد دين زردشت؛ أو تحاربنى؛ أو تعطينى يدك حتى أقيدك وأصفدك وأحملك إلى الملك، فيرى ما يكون الأمر. فقال رستم: لن أقبل دين زردشت؛ فأنا أعتنق هذا الدين من عهد گيومرث حتى هذا الوقت، ولن أتخذ الآن دينا آخر؛ ولا يجب إعطاء اليد لتصفد وتقيد، وأنا وأبى وجدى قد أتينا بأعداء إيران مصفدين مقيدين، وأمر سيئ أن تقيد أيدى رجل مثلى؛ وحربك أيضا لا تجوز، فأنت ابن الملك گشتاسپ من أرومة الكيانيين ولكنى سأحضر معك وأشرح عذرى أمام الملك، فإذا عفا أو أمر بشى ء آخر فالأمر له، فقال إسفنديار:
لن أرضى أبدا بغير الحرب (ونرى) لمن يكون النصر، وعلى الرغم من اعتذار رستم له فإنه لم يتراجع، وتحاربا فى اليوم التالى، فأجهد إسفنديار رستم وأتعبه، ورجع مجروحا مريضا، وفى اليوم التالى قدم رستم نافضا يديه من روحه، وتقاتلا وتبارزا، ورمى رستم سهما فى عين إسفنديار فوصل إلى دماغه فأجهز عليه فى الحال، وقفل رستم راجعا، وأوصاه إسفنديار، ومزق رستم ثيابه وهال التراب على رأسه، وقال: أيها الأمير إنك تعلم أن هذا ليس جرمى، وأنت لم تمتثل للأمر ولم تطع، وأنا اجتهدت لأنجى نفسى حتى وقع ذلك، فقال إسفنديار: هذا ما كتبته السماء، والآن يجب أن تأخذ بهمن ابنى وتربيه وتعلمه وتؤدبه، ففعل ما أوصاه به 17. وحينما وصل الخبر إلى گشتاسب نزل عن العرش وافترش الأرض وبكى بكاء مرا. وبعد مدة أرسل گشتاسب بخت نصر إلى بيت المقدس، فاستولى على الولاية، وقهر اليهود، وقتل كثيرا منهم، وبنى إسفنديار قلعة بلخ، وفى آخر عهده استدعى بهمن بن إسفنديار من سيستان، وجعله وليا لعهده، ومات گشتاسب.
بهمن بن إسفنديار بن گشتاسپ
ويدعى أردشير الطويل الباع 18، وكان أحسن ملوك العجم، وسار إلى سيستان طالبا لثأر أبيه، وقدم إليه زال، فأغلظ له القول، وطرده من عنده. وكان رستم قد مات فحارب فرامز ابنه، وكافح كثيرا، ولكنه لم يستطع أن يقبض على فرامز حتى مات فصلبه ميتا، وأمر فأمطروه وابلا من السهام. وقتل كثيرا من أهل سيستان، وخرب ديارهم، وحمل خزائن رستم وسام وكنوزهما التى كانوا قد ادخروها فى ألف عام، وبنى مدينة بهمن أردشير التى يسمونها الأبلة، كما بنى مدينة بأرض ميسان، كذلك بنى بهمن آبار التى يسمونها المنصورة فى حدود السند.
Shafi 62
هماى 19 بنت بهمن بن إسفنديار
وكانوا يسمونها چهر آزاد 20 وقد نقلت قصبة الملك من بلخ إلى العراق، وجعلت المدائن عاصمة ملكها، وظلت ببلخ أربعة أعوام حتى تم بناء المدائن، وأقامت جسرا على نهر دجلة، وأجرت مياه الفرات. وهى التى روجت الطواحين المائية، وقبلها كانت الطواحين يدوية، وهى التى بنت مدينة همدان 21 وأعطت الملك فى حياتها إلى أخيها وابنها 22 واسمه داراب بن بهمن، وأمرت هماى فشقوا القنوات وحصنوا المدن.
داراب 23 بن بهمن بن إسفنديار
وكان عادلا بين الرعية؛ إذ كتب الرسائل إلى العمال والمرازبة: أن لا تظلموا أحدا وألا تنحازوا إلى أحد، وأمرهم بإحضار كل دخل الولاية إلى الخزائن، وإجراء الأرزاق، على الرعية. وهو أول من ختم الدراهم، وأول من وضع البريد، وأمر بتحذيف أذناب دوابها، وبنى مدينة داريكرد، وبنى بمصر دارا بشاه. وجعل ابنه دارا وليا لعهده.
دارا بن داراب
حينما اعتلى سرير الملك كان شديد التكبر، ولكنه كان رحيما على الرعية، وكان الإسكندر قد قسم عرش مقدونيا فى الروم، وحينما أرسل دارا رسولا إلى بلاد الروم لإحضار الضرائب التى كان والد الإسكندر يرسلها إلى فارس امتنع الإسكندر وخرج على دارا، وحاربه وهزمه، وأثناء هزيمة دارا جحده أتباعه وقتلوه، وحملوا رأسه إلى الإسكندر. ولما عرف الإسكندر أنهم من خاصة دارا- فأحدهما وزيره، والآخر أمير حرسه- أمر فسلخوا جلودهما وشنقوهما ونادوا: أن هذا جزاء من يخون سيده، وبنى مدينة بأرض الجزيرة وأسماها دارابو، وعمرها، وبنى فيها قلعة جمع فيها كل شى ء.
Shafi 63
الباب الثالث: ملوك الطوائف
الإسكندر بن فيلقوس
استولى على الملك، وقتل الكثير من الإيرانيين، وخرب ديارهم وهدم قلاعهم وحصونهم، وقتل جميع علمائهم 1 الذين كانوا يدعونهم بالهرابدة 2، وأحرق جميع الكتب التى كانت فى دين المغان وزردشت، أما ما كان فى الطب والنجوم والحساب وغير ذلك من العلوم فقد أمر فترجموها جميعها وأرسلها إلى بلاد الروم، واستولى على أموال ملوك إيران وكل كنوزهم، وحمل إلى بلاد الروم ما استطاع حمله منها، وما لم يستطع حمله دفنه فى إيرانشهر فى الأرض والصحارى والجبال والأماكن الدفينة، وهيأ كنوزا وطلاسم لا تستطيع أن تمتد إليها يد إنسان، وذهب إلى إصطخر، وكانت مزدحمة بالناس فى عهد هماى بنت بهمن، وكان هناك مكان يدعى ژن نوشت ومعناه دار الكتب، وكانت بها كتب كثيرة فى علوم الديانة الزردشتية والفلسفة والحساب والهندسة وكل فروع العلم، فأمر الإسكندر فترجمت كل هذه الكتب، وأرسلها إلى بلاد الروم، وأمر فوضعوها فى مقدونيا، ثم أحرق دار الكتب بكل ما كانت تحويه من كتب، ولم يبق لدى العجم إلا النذر اليسير الذى كان فى حوزة المجهولين فى أطراف الولايات. ثم جمع كل ما بقى من جيوش إيران، وأعد جيشا سار به إلى الهند عن طريق التركستان، وهزم الجميع، واستولى على التركستان والصين وما وراء الصين والهند وكشمير، وقهر جميع الملوك، وتوفى حينما وصل إلى بابل.
وبموته خلت الدنيا من ملك يحكمها، فاستولى كل شخص حسب هواه ومراده على ولاية أو مدينة، وتغلب السفلة على العظماء والشرفاء، ولم يبق فى الدنيا أمن أو طمأنينة، وأمسى الملك ضعيفا حتى ظهر أشك الذى حاربه أنطيخس بانى أنطاكية، وفى النهاية هزمه أشك، واستولى على ذلك الملك.
Shafi 67
أشك بن بلاش بن شابور ابن بلاش بن أشكان بن أش مهين بن سياوش بن كيكاوس
وكان أول من ملك من الطوائف، وأسموهم جميعا به يعنى الأشكانيين، وقد استردوا ملكهم، ولم يأخذوه من أحد، وفى البداية كان يقيم فى الجبال 3 ثم استقر فى السواد.
شابور بن أشك
ملك الملك، وبعد مضى أربعين عاما من ملكه ظهر عيسى ابن مريم عليه السلام وكلف بالرسالة، وأحيا الموتى، ودعا الخلق إلى الله عز وجل.
كودرز بن شاپور
غزا بنى إسرائيل ليثأر ليحيى بن زكريا الذى كانوا قد قتلوه، فكانت دماؤه تتماوج وترتفع إلى السماء، حتى تولى گودرز، فقتل منهم سبعين ألف رجل، فتوقفت الدماء.
وفى عهده أرسل الله سبحانه وتعالى سيل العرم على أهل اليمن حتى غرقوا جميعا.
ويزن بن بلاش بن شاپور
اضطربت إيران فى عهده، وخرج الأعداء، وفعلوا ما فعلوا، ولكن ويزن صدهم جميعا عن إيران واكتفى بذلك.
نرسى بن ويزن
كان رجلا شجاعا عظيما، تمت على يديه الأمور؛ فقد ذهب إلى بلاد الروم، وحاربهم، ورجع مظفرا غانما.
Shafi 68
گوذر بن كهبن بن ويزن
كان رجلا ضعيفا، واختلت فى عهده كثير من أمور المملكة الإيرانية، فقد كان محبا للخمر مشغولا دائما بالطرب، ولم يفكر فى شئون الملك أبدا حتى آخر عمره.
هرمز بن بلاش بن شاپور بن أشك
كان رجلا عالى الهمة، أصلح كل ما أفسده گودرز، ونظم كل شى ء، وأجرى أمور إيران وحسنها، ولم يجد الخلل طريقا إليها طوال عهده.
پرويز بن هرمز
ويسمونه أيضا: أردوان الكبير، كان شديد الأبهة والعظمة، ذا همة عالية، عطوفا على الرعية، استن سننا طيبة، وسلك مع الرعية مسلكا حميدا.
خسرو پرويز
كان جميل الطباع، قرب أقاربه وقومه، وأعطاهم المملكة حتى لا يتخلفوا أو يتأخروا، ولم يعط الملك لأحد من الغرباء.
بلاش بن پرويز بن هرمز
كان فارسا، أولع بالصيد ولعا شديدا، حتى لم يخل منه يوم من أيامه، وكان شديد العطف على الرعية، ولم يماثله فى الزهد أحد فى المملكة.
أردوان بن بلاش
وهو آخر ملوك الطوائف، خرج أردشير بابكان فى عهده، وناضل كثيرا، ولكنه قتل أخيرا بيد أردشير، وانتهى ملك ملوك الطوائف، ووقع فى أيدى الساسانيين.
Shafi 69
الباب الرابع: ملوك الساسانيين
أردشير الجامع بن بابك بن شاه ساسان ابن بهافريد بن زراره بن ساسان بن بهمن بن أسفنديار
حينما استولى على الملك من الطوائف، وأضحت إيران له، وحد أبناء العجم بعد أن كانوا قد تفرق شملهم، وحينما وصل إلى أردوان، خرج أردوان عليه، فرده أردشير، وقبض عليه وقتله، وقد مضى على ملك أردشير اثنا عشر عاما. وخرج ملك النبط على أردشير، وحاربه، فقبض عليه أردشير فى قصر ابن هبيرة 1 وقتله، وحينما استراح فؤاده من هذا الأمر، أطلق على نفسه" باشاهان شاه" أى ملك الملوك. وأسموه الجامع؛ لأنه جمع كل علماء فارس وأمرهم أن يجمعوا كتب المغان التى كانت قد فقدت. وبنى مدينة الرى وأردشير خره 2 التى يسمونها واسط، واستاد أردشير 3 التى يسمونها الأنبار، ورام أردشير 4 التى يسمونها البصرة، وقبله كان للدنيا حاكم واحد فجعل الحكام أربعة: الأول حاكم خراسان، والثانى حاكم خربران 5 وأعطاه ناحية المغرب، والثالث حاكم نيم روزان 6 وأعطاه ناحية الجنوب، والرابع حاكم آذربيجان وأعطاه ناحية الشمال. وبنى المدن مثل: مدينة إستر 7، وهرمز أردشير، وأردشير خر، ورام أردشير، وأسد آباد، وپوشنگ 8، وبادغيس.
وجعل خراسان أربعة أقسام، وعين على كل منها مرزبان: أولها مرو شاهجان، والثانى بلخ وطخارستان، والثالث هراة وپوشنگ وبادغيس، والرابع ما وراء النهر. وهو الذى أتى بلعبة النرد على حسب دوران الأرض ووضع لها اثنى عشر قسما، وكل قسم مثل بروج الفلك. وأربع وعشرون خرزة مثل الساعات، وثلاثون خرزة مثل النهار وبروج الفلك مثل الليل والنهار يسبح فيه النيران 9.
وألف كتابا فى النصيحة والسياسة أسماه (كارنامه) وأعطى الملك فى حياته لابنه شاپور.
Shafi 71
شاپور بن أردشير
حينما اعتلى شابور بن أردشير سرير الملك كان رؤوفا على الرعية، منحهم فأعطاهم كل ما ادخره أردشير من المال والجواهر، ثم قصد نصيبين وحاصرها، وطال الوقت هناك، لأن حصونها كانت شديدة المنعة والإحكام، فأعمل حيلته وأمر فأمسكوا العقارب الجرارة 10 ووضعوها فى قوارير، ثم وضعوا هذه القوارير فى المنجنيق وقذفوا بها فى الحصون فكسرت هذه القوارير، وخرجت العقارب، وكانت تلدغ الناس حتى هلك الكثير منهم فى الحصن، وطلبوا الأمان، وسلموا الحصن. وقصد القسطنطينية، وحينما سمع أهل تلك الناحية وسطوا أشخاصا بينه وبينهم، وتصالحوا معه، وفرض الجزية عليهم، وجمع قسطنطين الكتب التى كان الإسكندر نقلها إلى بلاد الروم وترجمها، وحملها على ظهور الدواب، وأرسلها هدية إلى نيشابور، وظهر فى عهده مانى بن فتق الزنديق ودعا الناس إلى دينه، وكان مانى هذا تلميذ الفادرون. وقصده شاپور، فهرب من إيران، وذهب إلى الصين وما وراء الصين، فوجد هناك أتباعا، وجهر بدعوته، ودخل كثير من الناس فى دينه، وبنى شاپور على أبواب القسطنطينية معبد نار، كما بنى مدينة جندى شاپور فى ميسان 11 وفيروز فى ناحية نصيبين.
هرمز بن شاپور
حينما جلس على سرير الملك أحسن تدبير أمور المملكة، وكان رجلا شجاعا 12، حارب هباطلة السغد 13 وقهرهم، ثم تصالحوا وقبلوا الجزية، وأظهروا حدودهم حتى لا يتجاوزوها، وبنى رام هرمز ودسكره.
بهرام بن هرمز
كان رجلا جادا. وقد دعاه مانى إلى دينه فلم يجبه، وقبض على مانى وقتله وسلخ جلده، وحشاه تبنا، وصلبه فى جندى شاپور، وقبض على أكثر شيعته وأتباعه الذين كانوا فى إيران فى ذلك الوقت، وقتل اثنى عشر ألف راهب مانوى.
Shafi 72
بهرام بن بهرام
حينما اقتعد سرير الملك غلب عليه السوء، فقد كان فظا غليظ القلب، مغرورا متكبرا شديد التيه والعجب، فعل القبائح مع أهل مملكته، حتى كف وزراؤه ومدبروه وعماله المصلحون أياديهم عن العمل معه، وحينما جلس على العرش جرت على لسانه أشياء سيئة فنفرت منه الرعية كلها حتى آخر عهده.
بهرام بن بهرام بن بهرمان
حينما جلس بهرام على عرش الملك أطلق يده فى الظلم وفى القتل، وقتل كثيرا من الناس، وكان سفاكا للدماء، مستحلا للحرام، كل من كان يأتى إليه مختصما كان فى الحال يحضر خصمه ويأمر بقتل كليهما، وكان يقول: إننى أعلم أن أحدهما مجرم.
و(بذلك) لم يستطع أحد فى عهده أن يرتكب إثما أو ذنبا.
نرسى بن بهرام
حينما اقتعد نرسى سرير الملك استن سننا طيبة، فقد كان ملكا حسن السيرة، أزال التقاليد القديمة الموروثة عن الآباء والأجداد، وألف بين الرعية، وعدل فيهم.
وحينما رأى الناس منه هذا العطف وهذه الرحمة أحبوه وأطاعوه وانقادوا له.
هرمز بن نرسى
Shafi 73