الثناء عليها إلى نفسه. فرأينا أن نشير إلى هذا المقام بضرب من الإشارة قريب يتميز به الطيب من الخبيث وبعرف به الفائز من المغرور. وبسط ذلك يستدعي موضوعا على حدة، فلنقتصر منه على لمحة برق فنقول: قد عرفت فيها مر من تعريف الحكمة أن فيها أقوالا كثيرة مرجعها فيما أوردناه من كلام السلف ضربان: خاص وعام. فالخاص القول بأنها النبوءة والقرآن أو علم القرآن، أو الفهم أو الخشية لله تعالى أو فهم القرآن أو العمل له أو الأتباع له، أو إصابة القول من غير نبوءة ونحو هذا مما تقدم. والعام القول بأنها الإصابة في القول والفعل ونحوه. فأما إذا فسرناها باوجه الخاص وقلنا هي النبوءة، أو علم القرآن، أو العلم به، أو فهمه والاتباع له، أو الخشية، فلا خفاء في مدحها والثناء عليها في هذا المعنى وما أشبهه من كل ما يسترضي به الله تعالى ويتقرب به إليه كالعقل والعدل والحلم؛ إلاّ إنّه لابد في ذلك من تحقيق الحقيقة وحفظ الحيثية وهو تحقيق الإصابة، إذ ذلك هو الحكمة ومناط التقرب المذكور. فأما ما ينتحله المتنبئ الكاذب من النبوءة، وما ينتحله الملحد من فهم كتاب الله تعالى والبدعي من الاتباع، فكل ذلك قد يسميه صاحبه حكمة ويسمي نفسه به حكيما، وليس من الممدوح بل ذلك مذموم غاية الذم، وليس ذلك بنبوءة ولا فهم لكتاب الله إلاّ في تسميته، فقط، وكذا ما أشبه هذا وإن قلنا هي إصابة القول من غير نبوءة ونحو ذلك، فحكمه بعد. وأما إذا فسرناه بالمعنى العام، فقد علمت إنّها متناولة لجميع الإصابات في القول والأفعال والاعتقادات، ودخل في ذلك ما تقدم وغيره. ومجموع ذلك ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الحكم القولية، وهي كلها محدودة من حيث ذاتها بقيد أن تكون بحكمة في نفس الأمر، وإلاّ فقد يطعن ما ليس بحكمة حكمة، إذ قد يعد من الحكمة ما دل على إيثار العاجلة على الآجلة أو اتباع الهوى، أو على العدوان والعلو في الأرض وسفك الدماء، وعلى اكتساب النبوءة برياضة النفس وطول المجاهدة وبلوغ كمال المعرفة وكمال النفس بذلك من غير تعقيد بقانون الشرع، وعلى إيثار انقطاع الناس إلى الله تعالى بالإعراض عن نبيهم وعدم الالتفات إليه أصلا، توهما أن ذلك هو اللائق بتوحيد الباري والتعبد له ونحو ذلك؛ فكل ذلك وما أشبهه هوس باطل ليس من الحكمة في
1 / 39