وهذا كله في التمثيل من حيث هو في الجملة. وأما الأمثال السائرة التي نحن بصددها فتكون هي أيضًا في الجملة للبيان والتوضيح، لكن لمقاصد كثيرة وضروب من الأغراض لا تكاد تنحصر؛ وستتلى عليك في هذا الكتاب. وأمثال القرآن كذلك بعد دلالتها على توضيح المراد وتقريبه وتصويره للعقل تكون لمقاصد كثيرة من مدح وذم ودلالة على تفاوت في الثواب، وعلى إحباط عمل وتذكير ووعض وحث وزجر واعتبار وغير ذلك مما يسرد على سمعك فيها إن شاء الله تعالى. وكذا أمثال الحديث النبوي، وستأتي إن شاء الله تعالى، والله الموفق.
وأما الثاني وهو الحكمة، فلا يخفا أيضًا فائدتها وفضلها. وقد اثني عليها في الكتاب والسنة. قال الله تعالى: يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا. وقال: وآتيناه الحكمة وفصل الحطاب. وقال: وآتيناه الحكم صبيا. ونحو ذلك من الآي. وقال النبي ﷺ: الكلمة الحكمة ضالة المؤمن. ويروى: الكلمة الحكمة ضالة كل حكيم. فإذا وجدها فهو أحق بها. وقال ﷺ: كلمة من الحكمة يتعلمها الرجل خير له من الدنيا وما فيها. وغير ذلك من الأحاديث والآثار التي يطول ذكرها. وقد أطبق العقلاء على مدحها والاعتناء بها، وليس الغرض إلاّ بيان فضلها وفائدتها فقط، وكيف يحسن منا ذلك وهي عين الفائدة والفضل؟:
وكيف يصبح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
وإنّما الغرض هو بيان ما هو الممدوح من مصدوق اسم الحكمة، وإذا الغلط قد وقع في مثل هذا لكثير من العقلاء من جهة شمول لفض الحكمة لأمور كثيرة بحسب كل عرف واصطلاح، بعض تلك الأمور ممدوح دون بعض، فكان كل من يحصل له شيء منها يجعله من مصدوقات الحكمة الممدوحة، فيتمدح بما انتحله ويثني عليه ويضيف ما ورد من
1 / 38