Zahirat Madd Wa Jazr Bihar
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
Nau'ikan
ويجذب الأرض تحته قدمين ونصف ولا يجذب الماء الأبعد، فبعيد عن الصواب؛ لأن الواجب هو أن يجذب القمر الماء الأبعد نصف جذبه لنفس الأرض، وهو قدم وربع قدم، كما أنه يجذب الأرض نصف جذبه للماء الأقرب، وحينئذ لا يكون المدان المتقابلان متساويين، والواقع خلاف ذلك، بل الواجب ألا يحدث مد مقابل؛ لأن الأرض تجذب بنفسها الماء الأبعد، فهي تؤيد القمر الذي يجذبه نصف جذبه للأرض. ولأن انفصال الأرض في كل حين عن مائه الأبعد مقتربة منه يستلزم أن تصطدم الأرض بالقمر منذ عهد بعيد؛ لأن المد دائم الحدوث على وجه الأرض، اللهم إلا إذا أنكروا انفصال الأرض عن الماء الأبعد وحينئذ لا يبقى وجه للمد المقابل. ومن المعلوم أن المدين يكونان على معظمهما عند اقتران القمر بالشمس أو استقبالها. ونحن نجد لعظم المدين في الاقتران وجها لا نجده له في الاستقبال، فإن المد المقابل على زعمهم هو ناتج عن انفصال الأرض عن الماء إلا بعد اقترابها من الجرم المسبب له، ولكن الأرض إذا اقتربت إلى القمر لم تقترب من الشمس، وإذا اقتربت إلى الشمس لم تقترب من القمر، وهل يجوز أن يدنو الجسم من جرمين متقابلين في وقت معا؟!
وأما تعليلهم لكبر مد القمر وصغر مد الشمس بأن الفرق في بعد القمر عن ماء البحر وعن مركز الأرض أكبر منه في بعد الشمس عنهما فإنه يقتضي أن تجذب الشمس الماء الأقرب والأرض أكثر من جذب القمر لهما، ولكن بتفاوت أقل وهو معقول إذا نظرنا إلى قوة جاذبية الشمس، ولكنه مفض إلى حدوث مد مقابل كبير. والواقع خلافه، وإذا قيل إن الشمس تجذب الماء الأبعد كذلك بتفاوت أقل، قلنا وجب على هذا أن تكون الأرض قد اصطدمت بالشمس قبل ملايين من السنين. إلا إذا قالوا إن حركة الأرض في فلكها تقاوم جذب الشمس، فأقول لماذا لا تقاوم هذه الحركة جذب القمر لها فإن جذبه أضعف.»
139
بعدها يحاول الزهاوي أن يؤكد على صحة رأيه فيقول: «اغتر المحدثون بالظواهر فأخطئوا في تعليل المدين بأن القمر يجذب ماء الأرض الأقرب كثيرا، ويجذب الأرض تحته أقل. والصواب أن القمر أو الشمس لا يجذب ماء الأرض بل المد ظاهرة كهربائية تتولد من دفع القمر أو الشمس لوجه الأرض الأقرب ومن جذبه لوجه الأرض الأبعد، فتهبط الأرض من الوجهين ويعلو الماء عليهما وذلك هو المدان المتقابلان.
ونقول إيضاحا لما تقدم إن القمر يدور حول الأرض مثل دورانها كما أن الأرض تدور حول الشمس ، كذلك فتكون حركتها مماثلة لحركة وجه الأرض الأقرب ومخالفة لحركة وجهها الأبعد، وهذه الحركة هي كهربائيتها والكهربائية تدفع المماثلة وتجذب المخالفة، فالقمر أو الشمس يدفع وجه الأرض الأقرب ويجذب وجهها الأبعد، ولا يدفع الماء الأقرب ولا يجذب الماء الأبعد؛ لأن الماء موصل جيد للكهربائية فيعلو الماء على وجهي الأرض؛ لأن الأرض فيهما تحته تغور. وهناك مثال لما نحن في صدده هو أن الأرض عند حدوث الزلزلة قد تغور في السواحل بفعل الكهربائية ويعلو عليها الماء فيجيء موجه مثلما يجيء موج المد ويغمر اليابسة ويغرق البلاد.»
140
أخيرا يحاول أن يجيب عن تساؤل لماذا يكون المد الناجم عن القمر أكبر من المد الناجم عن الشمس؟ فيقول: «الشمس وإن بعدت عن الأرض أكثر من القمر يبقى فعلها بالأرض أكثر من فعل القمر لكثرة مادتها، فكان الواجب أن يكون مدها أكبر من مده والواقع خلافه. فنقول: مجيبين إن دفع القمر يأتي كله في صورة كهربائية عادية تدفع الوجه الأقرب من الأرض ولا تدفع الماء؛ لأنه موصل لها، ودفع الشمس يأتي في ثلاث صور؛ اثنتان منها هما النور والحرارة والثالثة هي الكهربائية العادية، والماء للأوليين ليس بموصل فهما يدفعانه فلا يعلو، وهو للصورة الثالثة وهي الكهربائية العادية موصل فهي تدفع الأرض ولا تدفع الماء فيعلو والنور والحرارة يخففان فعل كهربائية الشمس في دفعها الأرض وعدم دفعها الماء؛ ولذلك كان مد القمر أكبر من مد الشمس.»
141 (10) المبحث العاشر: مؤلفون مجهولون
تناول عدد من المؤلفين العرب والمسلمين المجهولين ظاهرة المد والجزر في البحار. وقد وجدنا أن نفرد لهم مبحثا خاصا نناقش فيه آراءهم التي تدور في مجملها حول آراء من سبقهم دون أن يقدموا الجديد فيها. (10-1) مؤلف مجهول
يعرض هذا المؤلف عدة وجهات نظر حاولت أن تفسر ظاهرة المد والجزر؛ فالبعض يعتبر أن كوكب الأرض كله مخلوق هائل كبير، ولدى تنفسه يحدث المد والجزر. وبعضهم يرى أن السبب هو انصباب مياه الأنهار في البحار ورجوعها عنه، واقترح ثالث أن السبب هو وجود فتحة هائلة كبيرة تحت البحر ، واقتراح رابع أن البحر من خصائصه أن تغور المياه فيه وتمد، ويختم في النهاية أنه يعتقد بأن القمر هو السبب في ذلك، وذلك بفعل «حقل جاذبيته» المؤثر على الأرض كلها وليس البحار. ولعل هذا الرأي هو أحد أقرب التفاسير دقة وقربا من تفسيرنا العلمي الحالي. والذي سبق وأن وجدنا ظهور هذه الفكرة عند عبد القادر بن أحمد بن ميمي البصري.
Shafi da ba'a sani ba