Zahirat Madd Wa Jazr Bihar
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
Nau'ikan
يبدو أن أبا المظفر سبط بن الجوزي (توفي 654ه/1265م) كان يناصر الرأي الديني في تفسير ظاهرة المد والجزر. فبعد أن استعرض ما سبق وطرحه أبو معشر البلخي من أنواع المياه التي يحدث فيها المد والجزر ، انتقل للبحث في الأسباب المختلفة للظاهرة. حيث قال: «فأما المد فمضي الماء بجريته، والجزر رجوعه عن ذلك، وقال علماء الهيئة: البحار ثلاثة أصناف:
منها: ما يكون فيه المد والجزر ويظهر فيه ظهورا بينا، كالبحر الحبشي عند البصرة، وهذا مشاهد محسوس. والثاني: يظهر فيه في وقت دون وقت كما في البحر الأعظم، فإنه يمد ستة أشهر، فيقل الماء في موضع ويكثر في موضع. والصنف الثالث: لا يظهر فيه المد أصلا، كغير الحبشي.»
96 «واختلفوا في علة المد والجزر: أما علماء الهيئة فقد اختلفوا فيه: قال بعضهم: علته القمر؛ لأنه مجانس لعلة الماء وهو يسخنه فينبسط، ومثلوه بقدر فيها ماء مقدار نصفها، فإذا غلى على النار ارتفع الغليان حتى يفور ويصعد، فإذا برد الماء نقص؛ لأن من شرط الحرارة أن تبسط الأجسام ومن شرط البرودة أن تضغطها، فإذا امتلأ القمر حميت أرض البحر فانبسط الماء وارتفع، وإذا نقص رجع الماء. وقال بعضهم: علته الأبخرة المتولدة في باطن الأرض، فإنها لا تزال تتولد حتى تكثر وتكثف فيرد ماء البحر بكثافتها، فإذا انقطعت المواد بقلة الكثافة عاد ماء البحر إلى قعره.»
97
بعد ذلك قدم ابن الجوزي رأيه موكلا أمر الظاهرة إلى قدرة الله قائلا: «والمختار عندي: أن المد والجزر من آيات الله تعالى، وأنه من آثار قدرته في العالم؛ لأن كل ما لا يوجد له قياس في الوجود فهو فعل إلهي يستدل به على عظمة الباري سبحانه وقدرته، وليس للمد والجزر قياس في العالم. وقال أحمد بن حنبل بإسناده قال: سئل ابن عباس عن المد والجزر فقال: قد وكل الله بقاموس البحر ملكا، فإذا وضع رجله فيه فاض البحر، وإذا رفعها غاض. وقد ذكره الجوهري فقال: وقاموس البحر وسطه ومعظمه. وروي عن مجاهد عن ابن عباس قال: الملك الموكل بالبحار يضع عقبه في بحر الصين فيكون منه المد، ثم يرفع عقبه فيكون منه الجزر. وقال مجاهد: وهذا ظاهر محسوس، فإن الإنسان لو وضع قدمه في إناء فيه ماء فإن الماء يرتفع إلى رأس الإناء، فإذا رفعها رجع الماء إلى حده.»
98
ثم رد على أصحاب الآراء المختلفة حتى أولئك الذين يربطون بين حركة القمر والمد، فكل ما يتكلمون به عار عن الصحة. «فإن قيل: فيلزم على هذا أن يكون الجزر والمد في جميع البحار، قلنا: قد ذهب قوم إلى هذا، وإنما لم يظهر في غير بحر البصرة لوجهين: أحدهما: لبعد المسافة واتساع البحار، ومن لجج من المسافرين في البحار يذكر أنه شاهده، والثاني: فلأن مكان المد والجزر في البصرة تحت خط الاستواء واعتدال الليل والنهار وعليه الكواكب الثابتة، وهذا المعنى لا يوجد في غيره.
وأما قول من علل بزيادة القمر ونقصانه، فغير صحيح؛ لأنه لو كان كذلك لتعلق بزمان مخصوص، فإن القمر يزيد في أول الشهر وينقص في آخره، والمد والجزر يكون في كل يوم وليلة فافترقا.
وأما من قال بأنه من الأبخرة في قلتها وكثرتها فباطل؛ لأنه يحتاج إلى زمان طويل يجتمع فيه، وهذا يوجد في كل يوم وليلة.»
99
Shafi da ba'a sani ba