Zahirat Madd Wa Jazr Bihar
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
Nau'ikan
53
ثم يذكر المسعودي وبأمانة علمية أن الرأي الذي عرضه كان رأي الكندي والسرخسي وليس رأيه الخاص. ويبدو أنه حاول أن يربط بين التفسير النظري والواقع الذي شاهده في بلاد الهند.
قال المسعودي: «فهذا رأي يعقوب بن إسحاق الكندي وأحمد بن الطيب السرخسي فيما حكاه عنه: أن البحر يتحرك بالرياح، ورأيت مثل ذلك ببلاد كنباية من أرض الهند، وهي المدينة التي تضاف إليها النعال الكنبائية الصرارة وفيها تعمل وفيما يليها مثل مدينة سندارة وسريارة، وكان دخولي إليها في سنة ثلاث وثلاثمائة، والملك يومئذ بانيا، وكان برهمانيا من قبل البلهرى صاحب المانكير، وكان لبانيا هذا عناية بالمناظرة مع من يرد إلى بلاد من المسلمين وغيرهم من أهل الملل، وهذه المدينة على خور من أخوار البحر، وهو الخليج، أعرض من النيل أو دجلة أو الفرات، عليه المدن والضياع والعمائر والجنان والنخل والنارجيل والطواويس والببغاء وغير ذلك من أنواع طيور الهند، بين تلك الجنان والمياه، وبين مدينة كنباية بين البحر الذي يأخذ منه هذا الخليج يومان، أو أقل من ذلك فيجزر الماء عن هذا الخليج حتى يبدو الرمل في قعر الخليج ويبقى في وسطه قليل من الماء، فرأيت الكلب على هذا الرمل الذي ينصب عنه الماء وقعر خليج قد صار كالصحراء، وقد أقبل المد من نهاية الخور كالخيل في الحلبة، فربما أحس الكلب بذلك فأقبل يحضر ما استطاع خوفا من الماء، طلب البر الذي لا يصل إليه الماء، فيلحقه الماء بسرعته فيغرقه. وكذلك المد يرد بين البصرة والأهواز في الموضع المعروف بالباسيان وبلاد القندر، ويسمى هناك الذئب له ضجيج ودوي وغليان عظيم يفزع منه أصحاب السفن، وهذا الموضع يعرفه من يسلك هنالك إلى بلاد مورق من أرض فارس، والله أعلم.»
54
ونلاحظ أنه تكلم في الجزء الأخير من النص السابق عن الفورة المدية
Tide Bore ، وهي موجة مدية عنيفة تدخل مصاب الأنهار والمضائق مسببة دويا وصخبا كبيرين تجعل من يراها يفزع.
55
كما ناقش حديث الملك الشائع بين الناس لتفسير الظاهرة، وقد اتخذ في البداية موقفا محايدا. فهو لا يصدق ولا يكذب، وإنما يوكل ذلك إلى علم الله.
قال المسعودي: «ومنها أن الملك الموكل بالبحار يضع عقبه في أقصى بحر الصين فيفر منه البحر، فيكون منه المد، ثم يرفع عقبه من البحر فيرجع الماء إلى مركزه، ويطلب قعره، فيكون الجزر، ومثلوا ذلك بإناء فيه ماء في مقدار النصف منه، فيضع الإنسان يده أو رجله فيملأ الماء الإناء، فإذا رفعها رجع الماء إلى حده، وانتهى إلى غايته، ومنهم من رأى أن الملك يضع إبهامه من كفه اليمنى في البحر فيكون منه المد، ثم يرفعها فيكون الجزر. وما ذكرنا فغير ممتنع كونه، ولا واجب، وهو داخل في حيز الممكن والجائز؛ لأن طريقه في النقل طريق الأفراد والآحاد، ولم يرد مورد التواتر والاستفاضة كالأخبار الموجبة للعلم، والعلل القاطعة للعذر في النقل، فإن قارنها دلائل توجب صحتها وجب التسليم لها، والانقياد إلى ما أوجب الله عز وجل علينا من أخبار الشريعة والعمل بها؛ لقوله عز وجل:
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ،
Shafi da ba'a sani ba