أما التمكين فيدل على وجوبه أنه تعالى لو لم يمكن المكلفين مما كلفوا لكان قد كلفهم ما لا يطيقونه وذلك قبح والله تعالى لا يفعل القبيح، ومثاله في الشاهد أن الواحد منا لو كلف عبده المقعد بالجري مع الخيل العربية أو صعود الصرح من غير سلم لكان هذا تكليفا لما لايطاق، وقبحه معلوم ضرورة عند جميع العقلاء، والذي يدل على أنه يجب عليه أن يتبين للمخاطبين أنه لو لم يبين لهم لكان قد كلفهم ما لا يعلموا به، وتكليف ما لا يعلم قبح، ومثاله في الشاهد تكليف العربي أن يتحدث بالعجمية، أو العجمي أن يتحدث بالعربية، أو الأعمى ينقط المصحف على جهة الصحة والصواب، فإن هذا تكليف ما لا يعلم، والمعلوم عند العقلاء قبحه، ولو لم يلطف للمتعبدين لكان غير مريح لعللهم، ومثاله في الواحد منا لو عمل لغيره ضيافة [33أ] ثم علم أنه لا يأتي إلا أن يأمر له ولده ثم لم يفعل لكان المضيف غير مريح لعلته، ولكان عائدا على عرضه بالنقض، ولولم يعوض المؤلمين لكان انزاله للألم قبيحا، والله يتعالى عن ذلك، ومثاله فيمن استأجر أجيرا ثم لم يوفه أجرته فإنه يكون ظالما له، والدليل على وجوب قبول التوبة وجوه:
أحدها: أن التوبة هي نظير الاعتذار في الشاهد فلو لم يقبلها لما حسن منه واستحق الذم كما في الشاهد فإنه قد ثبت أنه من أساء إلى غيره ثم اعتذر إليه فإنه يجب عليه أن يقبل عذره عند العقلاء حتى لولم يقبل استحق الذم عند العقلاء، وكذلك التوبة، والعلة الجامعة بينهما أن كل واحد منهما بذل الجهد في تلافي ما وقع منه من الإساءة.
الوجه الثاني: أن الله تعالى أمر بالتوبة، وأخبر أنه يقبلها فلو لم يقبلها لا يكشف لنا أن خبره كذب، والكذب قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح، ولأنه لافائدة في إيجاب التوبة، والأمر بها إلا ما يحصل بها من سقوط العقاب.
Shafi 56