أما الموضع الأول: وهو في معنى الحد والحقيقة في اللغة وفي الاصطلاح، فالحد يستعمل في أصل اللغة في معان:
أحدها: بمعنى الذات، يقال: حد الشيء أي ذاته، وحد بمعنى طرف الشيء، يقال: حد الشيء أي طرفه وحد بمعنى المنع؛ لأنه يسما منعا لأنه يمنع أن يدخل فيه ما ليس منه ويخرج عنه ما هو منه، قال تعالى{ومن يتعد حدود الله} أي ما منع لله عنه، ومنه يسمى البواب حدادا لما كان يمنع الناس من الدخول، وعليه قول الفرزدق:
يقول لي الحداد وهو يقود لي ... إلى السحر لا تجزع فما بك من بأس
ومنه ليس الملائكة كالحدادين أي كالبوابين، ومنه سمي إحداد المرأة إحدادا لما كان يمنعها من التزين وغيره.
وقال زيد بن عمرو بن نفيل:
لا تعبدي إلها غير خالقكم ... فإن دعيتم فقولوا دونه حدد
والحقيقة تستعمل في معنيين: يقال هذا حقيقة الشيء أي ذاته، وحقيقة بمعنى يقتض المجاز، مثل قولك: أسد، فهو حقيقة في السبع المخصوص مجاز في الرجل الشجاع.
وأما معناهما في الاصطلاح فواحد فهو كل لفظ جلي يكشف عن معنى لفظا لفظي جيئ على وجه المطابقة.
قلنا: كل لفظ جنس الحد، وقلنا: جلي احتراز من أن يكون خفيا؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون جليا يجلي أو خفيا يخفى [21أ] أو جلياس يخفي، أو خفيا يجلي، والأقسام كلها باطلة إلا أن يكون خفيا يجلى؛ لأن ليس الغرض إلى الإفادة.
Shafi 36