وأما الذي أن يكون الآخر التي من حقها أن يكون منها العرض في ما ظنه، والتي في تكون منها اللحم في ظاهره، وكذلك الأخرى التي تكون منها العين والأذن والأنف والشعر كل شيء في موضعه مع أن النطفة ماء مائع مختلط فهلا كانت الخرى التي من حقها أن تكون منها العظم في الظاهرة، وما يحصل منه اللحم في الباطن، وهلا كانت العين، والأذن، والأنف، والرجل، والصدر، أو الظهر، وهلا كانت الشعر في الفم والوجه، والأسنان في الرجل، إلى غير ذلك من وجوه النطف فلابد من الاعتراف بصنائع مختار عالم حكيم خصها ورتبها ووضعها مواضعها اللائقة بها بحسب ما يطابق المنفعة وتقتضيه الحكمة، وهذا بعينه يبطل مذهب المطرفية في تأثر الطبائع، إلا أسوء حالا من الطبائعية من وجهين:
أحدهما: أن الطبائعية قد ذهبت إلى نفي الصانع، فلم يكن لهم بد من إثبات الطبع ليتعلقوا به ما يحدثونه من التأثيرات وهؤلاء قد أساؤا إلى الصانع المختار، فما المجلئ لهم إلا العدول بالأفعال العجيبة المحكمة على أن تكون من فعله وتعليقها بما لا يفعل بالطبائعية أدخل منهم في العذر.
الوجه الثاني: أنه يلزمهم على مقالتهم أن لا يصح الاستدلال على اثبات الصانع وقدرته، وعلمه، وحياته بشيء من أفعاله، لأن الأفعال المحكمة قد صدرت عن الطبع، ولم يجب أن يكون حيا، ولا قادرا ولا عالما وفي ذلك بطلان الدليل على صفاته تعالى.
وأما أصحاب النجوم فيقال لهم إن هذه الأفلاك أجسام وهي جمادات، وليست بحية ولا قادرة، والفعل لا يصح إلا من حي قادر، وقد دخل قول الباطنية مع قول الفلاسفة على وجه الجملة.
واما الأصل الثالث: وهو أن محدثها ليس إلا الله تعالى، فالكلام منه يقع في موضعين:
أحدهما: في حكاية المذهب، وذكر الخلاف.
والثاني: في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه، وفساد ما ذهبوا إلي.
Shafi 217