أما الأصل الأول: وهو أن الجسم لو جاز خلوه من الأعراض فيما مضى من الزمان [91أ] لجاز خلوه عنها الآن فالذي يدل على ذلك أن الجسم لم يتغير عليه إلا مرور الزمان، ومرور الزمان لا تأثير له فيما يجب للجسم أو يحول أو يستحيل ألا ترى أن الجسم لما وجب التحييز وجب له في كل زمان ومكان، ولما جاز عليه التنقل حال عليه في كل زمان ومكان، ولما استحال كونه في جهتين في وقت واحد استحال عليه في كل وقت وزمان، فإن قيل إنا لا نسلم أن الجسم لم تتغير عليه إلا أمور الزمان بل قد تغير عليه غير ذلك مما له تأثير فيما يجب للجسم أو يجوز ذلك هو التحييز، فإنا قد ذكرنا أن أصل العالم هيولي وصورة، وهما جوهران معقولان غير متحيزين ولا محسوسين ولا ملموسين، ثم تحيز بعد أن خلت الصورة في الهيولى وتحدد التحيز له تأثير في ذلك، ولا خلاف بيننا وبينكم أن الكائنة لم تجب إلا لأجل التحييز ولهذا لا تجب في الأعراض ولا في الجواهر في حال عدمه قلنا لهم إن هذا بنا منكم على أصل فاسد، وهو أن الجوهر وجد وهو غير متحيز، ثم تحيز من بعد، وهذا لو صح لكم لوجب ما ذكرتم من خلوه عن الأكوان فيما لم يزل قبل تحيزه، ولكن الجواهر لا يجوز وجودها إلا وهي متحيزة كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى، فإن قيل إن قولكم في الجواب أن الجواهر لا توجد إلا وهو متحيزة بانتقال من هذه الدلائل إلى الدليل الثاني، والإنتقال غير جائز؛ لأنه يقتضي فساد الأول من حيث لم يستقل إلا بالرجوع إلى الثاني، وهو أن الجوهر لا يوجد إلا وهو متحيزز قلنا: إن الإنتقال هو أن يحتاج في جواب السؤال على الدلالة إلى دلالة أخرى مستقلة في أصل المسألة فحينئذ يكون ذلك معينا، ويقال إذا لم يتم الأول إلا بالثانية فاقتصروا على الثانية ونحن لمن نقتض في قصرة الدلالة الأولى إلى كل الدلالة الثانية، وإنما افتقرنا إلى أصل واحد منها، وهو أن الجوهر لا يوجد إلا وهو متحيز، وهذا لا يمكن الإقتصار عليه في الدلالة الثانية، وما هذا حاله فهو استعانهة جائزة وليس بانتقال فاعلم ذلك.
Shafi 182