وقد اتفق حزب إيطالية الفتاة مع رجال الحكومة في بيمونتية على أمر واحد وهو الكف عن طلب المعونة من الخارج، وعبر شارل ألبرت عن شعور الأمة بقوله: «إيطالية تكون نفسها.» وظن الطليان أن الأمراء والملوك في إيطالية ما عدا أمير مودينه وبارمه سيضمون جيوشهم إلى جيش بيمونتيه في الحرب، ولكن هذا الظن تفاؤل لا يسوغه الواقع.
وصرح البابا في الوقت نفسه بأنه لا يرغب في الحرب مهما كانت الظروف، أما فرديناند ملك نابولي فكان كثير الحسد لبيمونته ومحبذا للاستبداد النمسوي مما يحمل على القول بأنه لن يشترك بالحرب برضائه، وكان أمير طوسكانه وحده مستعدا للوقوف بجانب ملك بيمونته.
واتجهت الأنظار في لمبارديه لأنها ستصبح ميدانا للقتال، وكان اللمبارديون أنفسهم في حالة شبه ثورة يترقبون نشوب المعركة بفارغ الصبر، فالطبقة المثقفة تخلصت منذ مدة شيئا فشيئا من العوامل التي كانت تبعدها عن السياسة، فأسس بعض الأشراف الأحداث مجلة اسمها «مجلة أوروبا» اجترأت أن تبحث عن أخوة الطليان وتفاهة الاضطهاد للقضاء على فكرة الحرية.
وهناك زمرة أخرى أكثر شعبية وأقوى عزيمة التفت حول «كرينتي ودي كتانيو» محرر بوليتيكو، وكان كرينتي قد انتقد معاملة الحكومة للإيالات الإيطالية وأثبت فداحة الحصة التي يشترك بها مواطنوه في ضرائب الدولة، وهناك جماعة من الحقوقيين والدكاترة الشبان قبلت برنامج مازيني القومي.
وهكذا وجد أناس يحملون المشاعل في الدجى الحالك؛ ينيرون أذهان مواطنيهم بنشراتهم وبمؤلفاتهم الحرة وبكتاباتهم على الجدران، وبدعايتهم الصامتة في صفوف العمال والقرويين.
وكان لبيمونته تأثير عظيم في تدعيم الوطنية اللمباردية، وكان القسم الأعظم من أشراف ميلانو يملكون أملاكا في بيمونتية فكانوا يقضون أوقاتهم بين ميلانو وتورينو، ولما نشبت معركة التعريفة الجمركية سنة 1846 فاتح الأشراف ملك بيمونته بأمور استرعت اهتمامه، وكان توريلي قد بحث عن مملكة إيطالية الشمالية وحاول جذب الملك إلى هذه الغنيمة الشهية، وفي صيف سنة 1847 هزت الحوادث التي وقعت في دويلات البابا لمبارديه وفنيسيه هزا عنيفا.
وكان لموقف البابا بيوس في حادثة احتلال فراره والهتاف بالاستقلال صدى في الإيالات النمسوية المضطهدة، وأخيرا بدأ القرويون يتململون في الأرياف، واتفق الأشراف الراديكاليون في المدن، وجهر الرهبان بخلافهم لوجهات نظر الحكومة، وقامت المجالس البلدية تحاسب الموظفين، وازدرى القرويون في الجبال بقانون الغايات، واضطربت الأسرات الشريفة والغنية ضد النمسويين، حتى إن أحد الأمراء النمسويين لم يستطع أن يراقص سيدة طليانية في حفلة الرقص.
ولما مات رئيس أساقفة ميلانو اضطرت الحكومة إلى انتخاب إيطالي خلفا له؛ علها تجلب رضاء الشعب، وقد أدى هذا الانتخاب إلى مظاهرات صاخبة، أظهر الشعب تعلقه بالمطران الإيطالي فقاومت الشرطة بسلاحها الجمهور المسالم الجذل، وأخذت الدوريات تتجول في الطرقات، تعتدي على الأهلين وتزيد من سخطهم، فألهب هذا الحادث قلوب العامة في المدينة وأدى إلى انضمامها إلى الجماعات الصاخبة حتى إن القضاة أنفسهم لم يروا بدا من إخلاء سبيل الموقوفين في هذا الحادث.
ولما تأكدت الحكومة النمسوية من أنها أمام حركة خطيرة أراد مترنيخ أن يلهي أفكار أهل ميلانو بالسماح لهم ببيان ما يريدون وكان «المجمع
Cougragtion » هو المؤسسة الوحيدة في لمبارديه التي تمثل الإيالات، وهو بمثابة مجلس استشاري، فقدم «نزاري» مندوب برعامة استدعاء إلى المجمع يطلب فيه تعيين لجنة تحقيق لمعرفة أسباب الاستياء وتقديم مذكرة إلى الإمبراطور، أما «توماسيو» مندوب فنيسيه فطالب بحرية الصحافة، أما «مانين» فسبق اللمبارديين وطالب بالحكم الذاتي وذلك بالتمثيل القومي الحق، وهكذا لم تتعد الحركة حدود القانون.
Shafi da ba'a sani ba