أما الأشراف الأحرار من أنصار الحكم الذاتي، فكانوا يرون أن الحيلولة دون الثورة تقضي بإقناع الدوق الكبير بالسير شوطا في ميدان القومية الحرة، ومن بين هؤلاء ريكاسولي، ولم يكن يثق بآل بوربون، ويعلم عن خبره بأنه من العبث أن يتوقع المرء إصلاحات من أمراء طوسكانه.
وكان يعتقد باستحالة بعث إيطالية إلا بطرد النمسويين، وعليه ينبغي أن توضع الثقة في بيمونته، وإذ اقتضى الأمر فعلى بيمونته أن تقود حرب ثورة شاملة في سبيل استقلال البلاد، ومع أن ريكاسولي - باتفاق مع الأشراف الآخرين - رفض العمل بنصيحة كافور للمطالبة بالدستور خشية إثارة الحزازات الهامدة بين القوميين؛ فإنه وافق على أن يسعى لإنقاذ الدوق الكبير باشتراكه في الحرب.
وكان البيان الذي صدر في 15 آذار بعنوان «طوسكانه والنمسة»، الذي تحمل ريكاسولي وأشراف مهمون آخرون تبعة نشره؛ يتضمن نقدا لاذعا ومعقولا ضد النفوذ النمسوي في طوسكانه، وجاء في البيان المذكور ما يلي:
لقد انتظرنا عشر سنوات حتى تكمل بيمونته مهمتها وتظهر للعالم بأن الإيطاليين يستحقون الحرية، أما الآن فينبغي لطوسكانه أن تقف بجانب بيمونته.
وكان كافور قبل شهر قد استطاع - بواسطة الجمعية القومية - إيجاد حركة سياسية في فلورنسة تدعو إلى عقد حلف عسكري مع تورينو وعرض مندوب كافور على ريكاسولي باسم بيمونته حماية عرش الدوق الكبير، إذا انضم هذا بصورة رسمية إلى بيمونته ووافق على إناطة حكومة طوسكانه بعهدة ريكاسولي في الحرب التي سوف تنشب.
وبينما كان الطوسكانيون ينضمون إلى الأحرار كان الهياج في الشمال يخف نوعا ما، بيد أن رائحة البارود في بيمونته أخذت تؤثر في نفوس أشد الناس كرها للحرب، واستمر جدل خفي بين حزب بيمونته القديم وبين أنصار الوحدة في الجمعية القومية، وكان كل من هؤلاء يشك فيما إذا كانت صافويه تصبح فريسة تضحي بها بيمونته، وكانت أجوبة كافور في المجلس النيابي في هذا الشأن لا تشفي غليلا، وأخذ البعض من أعضاء الوزارة نفسها يفكرون قلقين في الخطر العظيم الذي قد ينجم عن المعركة القادمة، ولكن الأكثرية أيدت - بسرور - سياسة الحرب؛ لأنها هي وحدها كفيلة ببلوغ القسم الأول من الآمال، وقد وافقت راضية على أن يتولى كافور تنفيذ تلك السياسة.
وإذا استثنينا رجال صافويه السياسيين ، فإن الجميع قد اتفقوا - بصورة عامة - على ترك الحزازات الحزبية، وقد عبر غاريبالدي عن الشعور العام بالعبارة التالية: «الكل يرغب في وجود دكتاتور للحركة، فلتزل الأحزاب وليكن كافور الكل في الكل.» هكذا نرى أن الأحرار قد فازوا في الداخل فوزا عظيما، ولكن الصعوبات الخارجية كانت ما تزال ماثلة، فالناس كانوا يظنون أن الحلف الإفرنسي قد تم في كانون الثاني، وها هم الآن في شهر آذار ولم تنجل آثاره، من أجل ذلك أخذ الشك يخامر النفوس في عزم الإمبراطور على الوفاء بوعوده.
والواقع أن الإمبراطور بعد أن هدأت أعصابه أخذ يتأمل في الأخطار التي قد تنجم عن خططه الجريئة، وعاد إلى تردده المعتاد وشغفه بالتسويف، ولا سيما لأن سياسة الحرب أهاجت جماعة من المعارضين له وأصبح محتملا أن يناوئوه، وأخذ الوزراء يقولون له الحرب تضر بالإمبراطورية حتى إن المجلس النيابي أعرب في شباط عن مخاوفه من تلك السياسة وأيقن الإمبراطور أن في مصير الحرب حياته ومماته؛ ولذلك فإنه لم يطمئن إلى أن مصير الحرب سيكون نصرا له وقبل أن يستعد جيشه استعدادا تاما.
ولم تكن القوانين الدولية تسيغ مهاجمة النمسة بحجة الدفاع عن المبادئ القومية، فقد يؤدي ذلك إلى ظفر خصمه بمساعدة أوروبا الأدبية وربما المادية أيضا، فلم يكن له مندوحة عن السعي لعقد حلف مع روسية يضمن له حيادا وديا، ويحمل روسية على حشد جيش على حدود غاليسية لتضطر النمسة إلى تقسيم قواتها ويهدد بروسية فيما إذا أرادت أن تساعد النمسة، وكان الإمبراطور يشترك مع اللاجئين الهنغاريين في حبك الدسائس باستمرار، ومما يجدر ذكره هنا أن لفرنسة في بلاد الجبل الأسود حينذاك نفوذ قوي بحيث يمكن أن تصبح قاعدة لإثارة السلاف على النمسويين.
ومع ذلك فإن الموانع كانت لا تزال عظيمة إذا ساعدت بوروسية النمسة، وإذا ظهرت إنجلترة بمظهر المنتظر، الأمر الذي قد يؤدي إلى الخصومة، وكانت الوزارة الجديدة البروسية تعارض في عقد أي حلف مع النمسة، وجاء في نشرة صدرت في برلين وقتئذ وتعزى إلى بسمارك ما يدل على عطف البروسيين على إيطالية، بيد أن بلاطات الدول الألمانية كانت خاضعة للنمسة وترغب كثيرا في إجبار الديت «مجلس الاتحاد»، على أن يتعصب للنمسة في النزاع باعتبار أن القضية تخص ألمانية بأجمعها.
Shafi da ba'a sani ba