توجه إلى مكناسة في غالب ظني، فقد اخبرني بعض شيوخ مكناسة الزيتون حرسها الله، إنه دخل عليهم في زاوية سيدنا الشيخ أحمد التجاني ﵁، وبات معهم، فسألوه عن طريقه، فأخبرهم إنه رافق رجلا ودخلا مكناسة، وترك عنده كتبه، وفيها أربعون ريالا، وهو لا يعرف
اسمه ولا أين نزل. قال فقلنا له: أن الكتب والدراهم مضت لسبيلها، فقال لا يكون ذلك، فإني قد حصَّنتها بآية الكرسي. قال: فبينا نحن وقوف على باب الزاوية من الغد، إذا بالرجل مارًا فقال هاهو رفيقي، فوجد عنده الكتب بحالها، قال فتعجبنا من ذلك، ووجد في الزاوية سيدي العربي بن السائح الرباطي، ووقعت بينهما محبة زائدة، وهو الذي أحيى منظومته (منية المريد) بشرحه لها المسمى (بغية المستفيد). قال بعد نسبه إياه:
وكانت له اليد الطولى في العلم، وخصوصا في فن السير والفقه والأصول والبيان والنحو والتصريف واللغة والمنطق والعروض وأشعار العرب وأيامها، وغير ذلك من الأشعار والنوادر. وأما التصوف، فقد رزق من الذوق الغريب فيه ما يشهد له بالتقدم التام، وستقف في نظمه هذا على بعض الرشحات والدقائق، التي تحار في دركها الأفهام، مع إفراغه ذلك في قوالب القواعد العلمية، سترا لما له مع الله تعالى من الأحوال الخصوصية، وله نظم في أزواج النبي ﷺ وبنيهن منه ﵊، وما لبناته من بنين وبنات أيضا، قرأناه عليه وكتبنا عليه من إملائه في مواضع منه، وكتب لنا بخط يده في مواضع من هوامشه كذلك أيضا، وأذن لنا في شرحه، وقد قيدنا بحسب ما تيسر لنا في الوقت. وله عليه شرح نفيس في مجلد، أبدع فيه غاية، ولم يمكنا كتبه لاستعجاله له، وله أرجوزة، نظم فيها الورقات للشيخ أبي المعالي إمام الحرمين رحمه الله تعالى، وله رحلة، التزم فيها ذكر من لقيه من الأعلام، في وجهته لبيت الله الحرام، وابتدأ بأشياخه الذين قرأ عليهم، كوالده ووالدته وغيرهما، رأيتها عنده، وقد كمل
1 / 70