أما المؤامرة التي دبرها لاغتيالي فهي الشاهد على ما كان عنده من ذكاء رائع.
كان هذا الغريم - أسكنه الله فراديس الجنان - ينوي قتلي في صبيحة اليوم الذي أؤدي فيه امتحان الدكتوراه بالسوربون.
ولكن (عمر الشقي بقي) كما يعبر المثل المصري، فقد وصلت أخبار المؤامرة إلى اثنين من أصدقائي هما الأستاذ محمد حلمي والأستاذ محمد عبد الحميد مندور فطافا بأعضاء بعثة الجامعة المصرية وتحدثا إليهم بما يجب من حراستي يوم الامتحان.
وفي صبيحة ذلك اليوم حضر عشرة من أصدقائي ومعهم عصيهم ومسدساتهم، حضروا إلى بيتي لأخرج في حمايتهم، وقد ساءني ذلك، وحاولت منعهم من صحبتي فلم أفلح، ثم علمت مع الأسف أن مدير البعثة المصرية في باريس وصلت إليه أخبار تلك المؤامرة فجشم نفسه حضور امتحاني، وكان امتحانا قاسيا دام ثلاث ساعات ولم يشأ ذلك المدير أن يخرج قبل أن يطمئن على نجاتي من شر الاغتيال.
وكان في باريس معرض دولي هائل ستفتح بعد أسبوع واحد فحرمت منه نفسي، ولم أقم في باريس بعد امتحان الدكتوراه غير ليلة واحدة قضيتها في حماية الأمناء من أصدقائي.
وبعد عامين من ذلك التاريخ عاد غريمي إلى مصر، عاد وهو يضمر ما يضمر من الحقد، وهاله أن يعجز وهو في مصر عما كان يقدر عليه وهو في باريس، والأمن في القاهرة أضمن من الأمن في باريس.
فهل يعرف ذلك الغريم وهو في قبره أنني سكبت عليه الدمع في بغداد؟
لقد كان - رحمه الله - صورة من النسيم المطلول، وكانت له أنغام عذبة يجود بها لسانه وهو يتحدث، وكان له قوام رشيق هو الشاهد على براعة مصر في صياغة الجمال، لقد مات غريمي قبل أن أموت؛ لأن الأعمار بيد الله لا بيد الناس.
مات غريمي وهو يظن أنني ألأم من عرف، ولعل روحه رأت بكائي عليه فشهدت بأنني أكرم من عرف.
رحمك الله يا إبراهيم وطيب مثواك.
Shafi da ba'a sani ba