يقع هذا ورفيقي متجمل متهيب، ولكنه يخرج فجأة عن وقاره ويغني:
فيك ناس يا ليل بيشكو لك مواجعهم
بالله يا ليل ما تبقاش تواجعهم
أجريت يا ليل على الخدين مدامعهم
باتوا حيارى بطول الليل سهرانين
ياخوفي يا ليل من طول المدى معهم
فأخرج علبة السجائر وأكتب فوقها هذا الموال، ثم أتذكر أني كنت سمعته من رجل جالس متربع فوق جسر أبو العلا منذ سنين، وكأني سمعته بالأمس فقد كان المغني «ابن بلد» وكانت سيماه تشهد بأنه ذاق طعم الصبايا في بولاق، وأنه اكتوى بنيران العشق، وقاسى لواعج الأشواق، ثم يثب الخيال إلى آفاق بعيدة جدا، فينتقل من بغداد إلى بولاق ومن بولاق إلى باريس، فأتذكر أني كنت أعطف أشد العطف على الدكتور الديواني مدير البعثة المصرية في باريس لسبب واحد هو أنه من مواليد بولاق، بولاق العظيمة التي صنعت المدافع لتحارب بونابارت، والتي سمعت على جسرها في ليلة صيف:
لك ناس يا ليل بيشكولك مواجعهم
وقد تفضلت على الدكتور الديواني فقصصت عليه هذا الحديث في سهرة من سهرات باريس في سنة 1928.
ثم يقع ما هو أعجب: ذلك بأن أحد المعربدين يحسب الرفيق الموصلي فتى مصريا، لأنه يغني موالا مصريا، فيقبل عليه، ويقول: نحن في العراق أربعة ملايين وعندنا قوة جوية، وأنتم في مصر ثمانية عشر مليونا ولا تملكون قوة جوية تناسب عظمة مصر.
Shafi da ba'a sani ba