كان يعلم - وكذلك والدته - أنه ليس جيدا جدا في هذا الأمر. توقفت خيوله عند خزان المياه. «لا تنتظرني. سألحق بك في غضون دقيقة.» ابتسم لما رأى ملامح الانزعاج على وجهها. «لا عليك يا أمي، يمكنني دائما اكتشافك عندما تحاولين الإيقاع بي. على أحدنا أن يكون ذكيا للغاية كي يخدع الآخر.»
نظرت إليه وعلى وجهها تلك الابتسامة التي تكاد تختفي معها عيناها. «أظن أنني كنت ذكية هذه المرة!»
قالت في نفسها، بينما كانت تسرع وتصعد التل، إنه لأمر رائع أن تكون معه ثانية، وأن تجذب انتباهه حتى.
لما كان كلود يغتسل من أجل العشاء، دخلت إليه ماهيلي وفي يدها صفحة من جريدة بها رسوم كاريكاتورية توضح وحشية الألمان. بالنسبة إليها، كانت تلك الرسوم كلها صورا فوتوغرافية؛ حيث إنها كانت لا تعرف طريقة أخرى لصنع الصور غير ذلك.
سألت: «سيد كلود، كيف لهؤلاء الألمان أن يصبحوا بهذه الصورة البشعة؟ عائلة يودر والألمان الذين يعيشون هنا ليسوا بذلك القبح.»
تلطف معها كلود وهو يخمد حماستها. «ربما القبيحون هم من يقاتلون، والقابعون في بيوتهم لطيفون، مثل جيراننا.»
تمتمت بلطف: «إذن لماذا لا يدعون جنودهم يبقون في بلدهم، ولا يحطمون ممتلكات الآخرين، ويتسببون في خروجهم من منازلهم؟ يقولون إن هناك أطفالا ولدوا وسط الثلوج الشتاء الماضي، ولا تمتلك أمهاتهم نارا للتدفئة ولا أي شيء آخر. في الحقيقة يا سيد كلود، لم يكن الأمر كذلك في حربنا؛ إذ لم يمس الجنود النساء والأطفال. لقد امتلأ منزلنا أكثر من مرة بجنود من الشمال، ولم يحدث قط أن حطموا أيا من أواني أمي الخزفية.» «سنتحدث عن ذلك مرة أخرى في وقت آخر يا ماهيلي. يجب أن أتناول الغداء وأعود إلى العمل. إن لم نزرع القمح في موعده، فكما تعلمين لن يجد هؤلاء الذين في الحرب شيئا يأكلونه.»
الجرائد ذات الصور كانت تعني الكثير لماهيلي؛ لأنها كانت تتذكر الحرب الأهلية بصعوبة. عندما كانت تنكب على صور المعسكرات وساحات القتال والقرى المدمرة، كانت توقظ فيها بعض الذكريات؛ سرايا المشاة التابعة لجيش «الاتحاد» المغبرة التي اعتادت أن تقف كي تشرب من الينبوع الجبلي البارد الخاص بوالدتها. كانت تراهم وهم يخلعون أحذيتهم ويغسلون أقدامهم الدامية في تيار الماء. والدتها أعطت قميصا نظيفا لجندي عانى بشدة من القمل، ولم تنس قط منظر ظهره؛ إذ كان لحمه «أشبه بلحم البقر في الأماكن التي كان قد هرش فيها.» خمسة من إخوانها كانوا بين صفوف الجيش الكونفدرالي. عندما أصيب أحدهم في معركة بول ران الثانية، اقترضت والدتها عربة وخيولا، وقطعت مسافة ثلاثة أيام إلى المستشفى الميداني، وأحضرت الفتى إلى المنزل في الجبل. كان بإمكان ماهيلي أن تتذكر كيف أن أخواتها الكبريات تبادلن الأدوار ليل نهار لصب الماء البارد من الينبوع على ساقه التي أصابتها الغرغرينا. لم يتبق أطباء في الجوار؛ ولما لم يستطع أحد بتر ساق أخيها، مات ميتة مؤلمة. كانت ماهيلي الشخص الوحيد في منزل ويلر التي رأت حربا بأم عينيها، وكانت تشعر أن تلك الحقيقة تمنحها أفضلية كبيرة.
5
مر على زواج كلود عام ونصف العام. في صباح أحد أيام ديسمبر، تلقى رسالة هاتفية من حماه يطلب منه القدوم إلى فرانكفورت من فوره. وجد السيد رويس قابعا في كرسي مكتبه يدخن كالمعتاد، وأمامه العديد من الخطابات المرسلة من دول أجنبية على المكتب. لما كان يخرجها من مظاريفها ويفرز الأوراق، لاحظ كلود مدى ارتعاش يديه.
Shafi da ba'a sani ba