23

لما دخلت السيدة شرودر شاتس إلى غرفة نوم السيدة إرليش، ووضعت مسحوق تجميل على أنفها قبل أن ترتدي دثارها، أشارت قائلة: «يا للأسف، يا أوجوستا، ليس لديك ابنة لتزويجها من كلود ميلنوت هذا. كان سيصبح زوج ابنة صالحا.»

تنهدت السيدة إرليش قائلة: «آه، لو كانت لدي واحدة!»

أردفت السيدة شرودر شاتس وهي تلبس بنشاط حذاء سفر كبيرا: «أو لو أنك أصغر ببضع سنوات، فلربما لم يكن الوقت قد تأخر كثيرا. أوه، لا تكوني حمقاء يا أوجوستا! لقد حدثت هذه الأشياء من قبل، وستحدث مرة أخرى. ولكن أفضل لي أن أبقى أرملة على أن أرتبط برجل مريض، وكأنه غصة في حلقي! إن زوجي مريض وأنا امرأة بكامل قوتي. [ثم أضافت بالألمانية] جاس هو العبء الذي يجب أن أتحمله!» وضربت صدرها، على الجانب الأيسر.

لما لبست السيدة شرودر شاتس معطفا مخمليا ثم عباءة من الفرو، مشت وكأنها سفينة شراعية كبيرة إلى غرفة المعيشة، وقبلت جميع أبناء عمومتها وكذلك كلود ويلر، وتمنت لهم ليلة سعيدة.

11

في عصر يوم دافئ في شهر مايو، جلس كلود في غرفته بالطابق العلوي في منزل تشابين، وعكف على كتابة بحثه الذي كان سيحل محل عقد اختبار في التاريخ. كان البحث عبارة عن نقد لشهادة جان دارك في جلسات التحقيق الخاصة التسعة خاصتها والمحاكمة في المحكمة. أعطاه الأستاذ هذا الموضوع بمرح. وعلى الرغم من كثرة الأقلام التي تناولت هذا الموضوع منذ القرن الخامس عشر، من أصحاب الكتابات المحايدة والمهاجمة وأصحاب الملاحم والمتشككين، فإنه شعر أن ويلر لن يبخس الأمر حقه.

في الحقيقة، بذل كلود قدرا كبيرا من الوقت والجهد في هذا الموضوع، وبدا بالنسبة إليه في ذلك الوقت أهم شيء في حياته. عمل من ترجمة إنجليزية لوقائع التحقيق والمحاكمة، ولكنه أبقى بجواره النص الفرنسي، ولكن بعض الردود صعب عليه فهمها باللغة التي لفظت بها. بدا له أن تلك العبارات كانت تشبه كلام القديسين الذين قالت عنهم جان «الصوت جميل وعذب ومنخفض، ويتحدث باللغة الفرنسية». أقنع كلود نفسه أن دراسته مجردة من أهوائه وميوله؛ وبذلك فهي تقييم محايد لدوافع الفتاة وشخصيتها حسبما تشير مواطن الاتساق والتضارب في ردودها، وكذلك للتغيير الذي أحدثه فيها السجن و«الخوف من الحرق».

عندما انتهى من كتابة الصفحة الأخيرة في بحثه وجلس يتأمل كومة الأوراق المكتوبة، أحس بعدما انكب على هذه الدراسة أن معلوماته في حقيقة الأمر عن عذراء أورليان زادت فقط بقدر ضئيل عن تلك التي سمعها من والدته عنها لما كان صبيا صغيرا. تذكر أنه حينها لزم البيت بسبب نزلة برد، وعثر على صورة لها بملابس عسكرية في كتاب قديم، فأخذها ونزل إلى المطبخ حيث كانت تعد والدته فطائر تفاح. نظرت إلى الصورة، ولما كانت تبسط العجين كي تضعه في المقالي، أخبرته بالقصة. نسي ما قالته - إذ لا بد أن القصة كانت مجتزأة جدا - ولكن منذ ذلك الحين، علم الوقائع الأساسية عن جان دارك، وظلت شخصية راسخة في عقله. بدت له حينها واضحة مثل الآن، ورآها أعجوبة الآن مثلما رآها في ذلك الوقت.

فكر متعجبا من قدرة هذه الشخصية على الرسوخ في العقل على هذا النحو؛ فبصورة أو كلمة أو عبارة، بإمكانها أن تظل متجددة في عقول كل جيل وتعلق مرارا وتكرارا بأذهان الأطفال. في ذلك الوقت، كان لم يسبق له أن رأى خريطة لفرنسا، وكان لديه نفور شديد جدا من أي مكان أبعد من شيكاجو، ولكنه كان مستعدا بشدة لتقبل أسطورة جان دارك، وكثيرا ما كان يفكر فيها عندما يدخل خيوله في المساء، أو عندما يرسل إلى طاحونة الهواء من أجل إحضار الماء، ويقف يرتجف في البرد بينما ترفعها المضخة الباردة ببطء. ظل يتخيلها كثيرا في ذلك الوقت كما كان يفعل الآن؛ تجمعت حول هيئتها في مخيلته سحابة مضيئة تشبه الغبار، وبداخلها جنود ... وراية بها زنابق ... وكنيسة عظيمة ... ومدن لها أسوار.

في ذلك العصر الربيعي الجميل، شعر كلود أنه في تناغم وتوافق مع العالم. أسف على إنهاء عمله مثل إدوارد جيبن، ولم يستطع رؤية أي شيء آخر مثير للاهتمام يمكنه فعله في الآونة القادمة. كان لا بد أن يعود إلى المنزل بعد مدة وجيزة. كان سيخضع لبضعة اختبارات في كلية تمبل، وسيمضي بضع أمسيات أخرى مع آل إرليش، وسيذهب في رحلات إلى المكتبة كي يعيد الكتب التي كان يستخدمها؛ وبعد ذلك سيفاجأ بأنه لن يبقى أمامه سوى أخذ القطار إلى فرانكفورت.

Shafi da ba'a sani ba