قال أبو الفتح: الجعل إذا ألقي عليه الورد مات وإن كان الورد محبوبًا إلى ذوي الحواس الصحيحة.
قال أبو القاسم: الجعل لا يموت بالورد ولا تفارقه روحه وإنما تسكن حركته.
وقال المتنبي:
بنفسي وَليدٌ عاد من بعد حملِهِ ... إلى بطن أمٍّ لاَ تُطَرِّقُ بالحَمْل
قال أبو الفتح: يعني بالأم الأرض هاهنا. ويقال طرقت الناقة إذا نشب ولدها في رحمها.
قال أبو القاسم: تقول العرب طرقت الحامل إذا أراد حمله) كذا (أن يخرج من بطنه، وطرقة المولود رجلاه ورأسه ومنه قول الراجز يصف جارية ضربها المخاض: أيَا سَحَابُ طَرِّقِي بِخَيْر وقال الأخر:
وقد تَخِذَتْ رِجْلِي إلى جنبِ غَزْها ... نَسِيفا كأُفحوص القَطَاة المُطَرِّقِ
طرقت القطاة إذا خرج بيضها من جوفها ففحصت الأرض لتضعه فيه.
وقال المتنبي:
شدِيدُ البُعْدِ من شُرْب الشَّمول ... تُرُنْجُ الهِند أوْ طَلْعُ النَّخِيل
قال أبو الفتح: أي أنت شديد البعد من ذاك وبين يديك الترنج وطلع النخيل فحذف المبتدأ من الأول والخبر من الثاني.
قال أبو القاسم: معنى البيت انه يعني أمرين متصلين كان فيهما سيف الدولة وهو يستعرض الخيل، الكر والفر، والسلم والحرب، كما أن من يشتهي الشرب عند الجمع بين ترنج الهند وطلع النخيل يتعذر عليه. وليس يريد أن بين سيف الدولة ترج الهند والطلع.
وقال المتنبي:
إذا كن شَمُّ الرَّوْح أدنى إليكم ... فلا برِحَتْني رَوْضَةٌ وَقَبْول
قال أبو الفتح: أي إن كنتم تؤثرون في قوله لا برحتني، لا زلت، ونما معنى لا برحتني لا فارقتني من قولهم برح الخفاء أي زال ومنه البارحة الليلة الماضية لأنها برحت أي زالت.
وقال المتنبي:
وَأضْعَفْنَ ما كُلَّفْنَه من قُباقِبٍ ... فأضحى كأنّ الماء فِيهِ عَلِيل
قال أبو الفتح: سألته عن هذا البيت قال المتنبي: إن الخيل لما عبرت قياقب وهو نهر هناك جار كادت تسكر بقوائمها ماءه أن يجري فصار كأنه عليل لضعفه عن الجريان.
قال أبو القاسم: الكلام في قباقب أنه وفاق بين لسان العربية والعجمية. وذكر ابن دريد حكاية عن بعضهم أنه قال: ما تفلح العام ولا قاب ولا قباقب. وهو الثالث من الأعوام. وفي الإصلاح روى ابن السكيت حرفًا واحدًا على فعالل وهو قول الشاعر:
خُنَادِفٌ لاحق بالرأس مَنْكِبُه ... كأنَّه كَوْدَنٌ يُوشي بكُلاَّب
الخنادف القصير العنق. وذكر أبو عبيد في الغريب المصنف من هذا البناء في تضاعيف الكتاب قرابة أربعين اسمًا. فأما ابن دريد فقد عقد عليه بابا في كتاب الجمهرة زائدا على مائة وثلاثين اسما هاهنا موضع ذكرها فمن أرادها فليقصد الأبنية في آخره.
وقال المتنبي:
أطاعتك في أرواحها وتصرفت ... بأمرك والتفت عليك القبائل
قال أبو الفتح: وقوله والتفت عليه القبائل كقوله:
يهز الجيش حولك جانبيه ... كما نفضت جناحيها العقاب
ويجوز أن يكون أراد إحداق نسبها بنسبه أي هو واسط فيه والأول أشبه.
قال أبو القاسم: أما استشهاد أبي الفتح يهز الجيش على البيت وهو أطاعتك في أرواحها فكلام موضوع في غير موضعه.
ومعنى البيت الأول أن العرب منقادة طاعتك تنصف على أمرك ونهيك بالحفوف والمسارعة وأنت ولي أمرها والقيم بحربها وسلمها وأكد هذا لمعنى بما مثله به وهو:
وكل أنابيب القنا مدد له ... وما تنكث الفرسان إلا العوامل
والمتنبي تبع البحتري فيه حيث يقول:
في فتية طلبوا غبارك أنه ... رهج ترع عن طريق السؤدد
كالرمح فيه بضعة عشرة فقرة ... منقادة خلف السنان الأصيد
وقال المتنبي:
بسط الرعب في اليمين يمينًا ... فتولوا وفي الشمال شمالًا
قال أبو الفتح: هذا من قول الله تعالى:) ترونهم مثليهم رأي العين (.
قال أبو القاسم: معنى البيت أنه لما لاقى سيف الدولة الأعداء أخذتهم المخافة من الجانبين فوقوا على أدبارهم يمنة ويسرة منهزمين. وأما قول الله جل وعلا:) ترونهم مثليهم رأى العين (فإنما هو مضاعفة العدد في المشاهدة والعيان.
وقال المتنبي: مُحِبي قيامي ما لذلكم النصل: بريئًا من الجرحى سليمًا من الفضل قال أبو الفتح: أبا من يحب قيامي عنده وتركي الأسفار، ونصب البريء السليم على الحال.
1 / 17